دائما ما نقرأ على الشاحنات الحاملات للوقود المشتعل.. يمنع الاقتراب!..
.. وهكذا أحياناً شخصيات بني الإنسان!...، إذ يقول الإنسان عادة عن نفسه سواء بألفاظه أو بأفعاله: إنه شاحنة محمَّلة بما يمكن ان تقضي على نفسها ومن حولها!. أسباب عديدة يمكن أن تكون هذه النوعية من الشخصيات نتاجاً لها منها : الذاتية والبيئية الاجتماعية والسياسية والتربوية.
..وإذا كانت طبيعة الإنسان الأنس بالغير فإن الأفكار كذلك!، ولذلك فالإنسان صاحب الفكرة الذرية التي لا يمكن أن تنفلق يصبح عرضة للانفجار.. ذلك أنه غير قابل للتمدد مع حرارة النقاش، ولا قادر على تجميع جزئياته حين برودته ليشعر بالدفء!!.. فهو كتلة واحدة إما أن يبقى وإما أن يذهب وتلك عموماً ذاتية الشخصية المتفجرة.. (يا أنا.. يا هو!).
.. وللبيئة التي يعيشها الإنسان بسهولها وجبالها بأزهارها وأشواكها بأرصفتها و(مطباتها) فعل في تكون الشخصية سريعة الاشتعال. فبيئة يزدحم فيها الناس من غير إيجاد مخارج أو منافذ أو مسارات تستوعب هذه الأعداد الهائلة من الطوابير المتوقفة تغذي كهربة الأعصاب فتسارع في الاشتعال.. كلما كان الضغط قوياً وربما تتفجر حينما لا يحتمل الوضع أو الموقع (الشخصية) أحمال الضغوطات المتراكبة - المتراكمة عليه.
.. والقاعدة التي يجب أن نؤسس عليها مصادر الاشتعال الذاتي أو الاجتماعي هي (ان البيئة التي تقلل من خيارات أو اختيارات الإنسان تصعِّد من احتمالات وجود بؤر الاشتعال هنا أو هناك).. والذي يجب أن يُقرأ في تشخيص الواقع الإنساني انه حينما (تقل المسموحات تكثر الممنوعات) ذلك أن المفهوم من تقعيد الوجود الإنساني أن المحظورات محدودة ومحصورة بينما السباحة والسياحة في مسموحها لاحدَّ له. ولذلك فاتجاه العقل (الراشد) لاستشكال المسموح في بيئة الممنوع أمر طبعي وغير مستغرب!.. بل ان الوقت كفيل بتحقيق ذلك كما يقرره الاجتماعيون!.. ولذلك فالمتعلقون هم من يتابعون صيرورة الحياة وسننها ليكيفوها حسبما يريدون لا أن تكيفهم رغماً عنهم؟. والنتيجة التي نريد تقريرها هنا ان الشخصية فردية كانت أو جماعية حينما تعسكر حياتها أي تجعلها منطقة عسكرية تعيش هاجس التهديد أو التخطف كأنما تؤسس لمفاعلات نووية اجتماعية يمكن ان تستجيب لتهور أو توتر عند أدنى مقارفة لشباك الحياة - المنطقة العسكرية.
.. وفي فيزياء المجتمع الإنساني نظير فيزياء الطبيعة ؛إذ كل فعل له رد فعل مساو له في القوة مضاد له في الاتجاه، على ان اطراد هذه الحقيقة الطبيعية ربما يزيد أو ينقص في مركبات الشخصية الإنسانية، وذلك بحسب ما تكتنزه من روحانيات المادة السماوية التي يمكن ان تتجاوز وأن تصبر وأن تتحمل طلباً لمدخرات الآخرة، كظماً للغيظ وعفواً عن الناس وتلك من كمالات الإنسانية التي لا يدركها فلاسفة الحركة الاجتماعية في المجتمعات الغربية.
.. لا أحد ينكر أن القمع ينفي حقيقة الإنسانية, والقائم بممارسة هذا النوع اللاإنساني في موقع المسؤولية لا يحمل ولا يفقه معنى المسؤولية.. فحقيقة المسؤولية أن يستجيب الناس لك من عند أنفسهم.. لا أن تطلب أنت إجابتهم.. وتلك حقيقة اجتماعية مفادها أن من يجسِّد حقيقة معنى المسؤولية في نفسه فسوف يحملها الناس عنه ويتحملونها، وتلك حقيقة الطاقة الفيزيائية في مكنون حياتنا الاجتماعية (أن الناس ينجذبون لمن يجسد الحقيقة التي يتبناها)، أما من ينتزعها ويطالب الآخرين بتحملها فتلك من مغالطات الواقعية الاجتماعية.
.. ومن مقتضيات الإنسانية عدم القبول بالضيم والدونية.. والى ذلك يتأكد ان من يأخذ الناس بالقسر أو حتى يستجيب له طواعية - اي للقسر - إنما خالف كل منهما مقتضى وجوده ان يعيش حراً كريماً.. واشترط على نفسه حياة (الزريبة)!.
.. وإذا كنا نتحدث عن أن البيئة الاجتماعية تغرس معززات او منشطات لمعنى الاشتعال, فإن مؤسسات التربية في البيت أو المدرسة تلعب دورها الأكبر في التأسيس لكل ذلك!.. ذلك ان طراوة المادة التي تتعامل معها - خصوصاً ما قبل سن الرشد - يمكن ان تشكلها حسبما تشاء.. فمن الصلصال يمكن ان تشكل صاروخاً مفزعاً ومفجراً او شجرة غناء مثمرة.. وكل ذلك يعكس عمق الأهمية لمؤسساتنا التربوية.
.. لكن أداء المؤسسة في تركيب المادة وتشكيلها يعتمد أساسا على المنهج الذي تعلمه وعلى الأستاذ الذي يعلمه والبيئة التي تحتوي كل ذلك!.
.. وفي البيت.. بل حتى المجتمع الذي لا يشعر الإنسان فيه بمكانة فكيف له ان يعبر عن إمكاناته.. إذ كونه بلا مكان يشعر وكأنه كالمعلَّق الذي يريد إسعاف نفسه ولو بالإزعاج!! وإذا ما وطئت أقدامه المكان وشعر بالأمان بحث عن المكانة التي هي من أولويات حاجات الإنسان - فحاجته للشعور بإنسانيته تتحقق من خلال تقدير مكانته... والتكريم (السماوي) لإنسانيته يعكس أهمية تجسيدها (الأرضي).
على أن محتوى ومستوى المكان والمكانة ليس منتجاً اجتماعياً فقط بل هما ايضاً محصلة فردية تعتمد على طبيعة الجهد المبذول لتحقيق ذلك.. فحياة الناس تقدر من يبعث في نفسها الحياة.
|