يقول المثل: (إن فلاناً قلبه أبيض) أي أنه صادق صدوق ومصدق، يصدق كل إنسان على أساس أن الأصل في الإنسان التزام الصدق، وهذا المثل ينطبق إلى حد كبير جداً على المواطن السعودي الذي يتعامل مع الآخرين على هذا الأساس.
وأعتقد أن هذا التعامل نابع من أن الإنسان السعودي لايزال على فطرته السليمة وهي فطرة الاسلام، فالاسلام يدعونا إلى حسن الظن بأخينا المسلم، وأن الأصل في الإنسان الصدق وعدم الكذب والغش والغدر، ومن هذا المنطلق السليم يتعامل المواطن السعودي مع غيره من الناس.
والذي يعيش في السعودية أو يتعامل مع الإنسان السعودي يكتشف هذا الأمر بوضوح وسهولة، ومن خلال معايشتي للإخوة السعوديين وتعاملي مع مختلف شرائح هذا المجتمع الكريم، وإقامتي في المملكة العربية السعودية منذ ما يقارب عقداً ونصف عقد من الزمن تقريباً لمست هذه الصفة في كل من تعاملت معه وعايشته من طالب جامعي إلى أستاذ جامعي أو رجل أكاديمي، وموظف أو مسؤول في مختلف قطاعات الدولة، إلى دكتور في المستشفى، ورجل أعمال، إلى الإنسان العادي في الشارع، وما سمعته من المواقف الشبيهة في الشريحة النسائية من خلال تبادل زيارات عائلية مع بعض العوائل السعودية كوني أقيم مع زوجتي وأولادي في السعودية.
وهذه الظاهرة الصحية التي أتحدث عنها أعتقد وبدون مجاملة، أنها تبعث على الفخر والاعتزاز لكل إنسان سعودي وتدل على نزاهة هذا المجتمع وأفراده وحسن تربيتهم تربية سليمة على مبادئ الدين الاسلامي الحنيف، وهذا حق يجب ان يقال ولاينكره إلا جاحد حاقد أو جاهل.
ولكن ثمة مشكلة ظهرت مؤخراً حيث إن الكثيرين من ذوي الاتجاهات المختلفة من غير السعوديين قد استغلوا هذه الصفة الحميدة في الإنسان السعودي، لتحقيق مآربه وأغراضه الذاتية بدءاً ببعض الأفراد الذين قدموا إلى المملكة العربية السعودية بغرض العمل وللأسف وقع من بعضهم ما وقع من خيانة في التجارة وسرقة أموال التاجر السعودي والهروب بها أو التشكل على هيئة إنسان مسلم ملتزم يدعو إلى عقيدة التوحيد، وبالتالي الادعاء بأنه يقوم بعمل دعوي وخيري في بلده فيجلب الكثير من التبرعات من المحسنين الذين يحسنون الظن بهذا أو ذاك، وهناك قصص وروايات من النصب والغش والاحتيال بهذا الشأن تنشرها الصحف المحلية بين حين وآخر، ويندى لها الجبين، هذا في مجال العمل والتجارة.
أما ما يتعلق بنشر الأفكار الهدامة لصالح جماعات تأخذ من الإسلام شعاراً لها لتمرير أفكارها ونشر عقائدها الضالة وتحقيق أهدافها، فقد لوحظ في الآونة الأخيرة ما جرى من أحداث مؤسفة في المملكة العربية السعودية أو حتى خارجها، مما أثبتت أن الجماعات المنحرفة من خارج السعودية استغلت أيضا هذه الخصلة في الإنسان السعودي المخلص لدينه وأمته، فجندت شباباً من أبناء هذا المجتمع لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها الخاصة ونشر مبادئها الهدامة وتنفيذ مخططاتها ضد الإسلام والمسلمين، ولم يستحِ أصحاب هذه الأفكار الهدامة أن يطال تخريبهم بلاد الحرمين الشريفين، وبلد الله الحرام على وجه الخصوص.
أنا أكتب هذه الأسطر للتاريخ كي يسجله، وليس مدحاً في الشعب السعودي ولا مجاملةً لهم، ويعلم الله أنني لا أريد منهم جزاءً ولاشكوراً، ولكن من مبدأ قول الحق، والحق أحق أن يقال، وبيان ما عرفته بنفسي ولاحظته وتابعته عن قرب، رأيت أن من الواجب عليَّ أن أبين ما عرفته من حقائق قد تَخفَى على بعض الغافلين أو المتغافلين ومن مبدأ العرفان بالجميل، فإنني ما لقيت في هذا البلد المبارك طيلة هذه السنين إلا كل خير، وكذلك فإن مكانة المملكة العربية السعودية في قلوب المسلمين وما تتميز به من وجود الحرمين الشريفين تتطلب من كل مسلم بغض النظر عن جنسية الاعتزاز بقوة هذه البلاد وأمنها وضرورة الوقوف إلى جنبها، ويكفي ان الملايين من المسلمين وغير المسلمين من البلدان المختلفة يعملون في هذا البلد ويستفيدون من خيراته، وينعمون بما ينعم به المواطن السعودي من أمن واستقرار ورخاء ورغد العيش، وأعرف يقيناً أن كثيراً من التجار من غير السعوديين استفادوا من تعاملهم مع التجار السعوديين لممارسة النشاط التجاري.
ولا أدعي أنه لايوجد في هذا المجتمع شواذ ممن هم خارج هذه القاعدة، فلايخلو أي مجتمع من الشاذين عن الجماعة، ولكن الشاذ لاحكم له.
وأخيراً أود أن أضيف شيئاً مهماً أنه من خلال معرفتي بالمملكة العربية السعودية حكومةً وشعباً أعتقد جازماً أن الأسس التي تعتمد عليها هذه البلاد والمصدر الذي تستمد منه قوتها، والمنهج الذي تسير عليه، وهو القرآن والسنة، إضافة إلى المقومات الأخرى التي تمتلكها المملكة على جميع الأصعدة، أقوى وأمتن بكثير من أن تهزها هذه الأحداث التخريبية الطارئة، فهي كيان قوي ومتين باعتمادها على الله عز وجل، وبرجال العلم والفكر فيها، ولها قواعد متينة، وحسب هذا الكيان الإسلامي العظيم أنه ينصر الله فينصره الله بإذنه.
والله من وراء القصد.
|