يجيء الاحتفاء باليوم العالمي لمكافحة التبغ هذا العام 2004م لتسجيل ملامح جديدة بارزة على صعيد مكافحة هذه الجائحة الخطيرة ألا وهي توقيع الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ وذلك أثناء انعقاد الجمعية العامة للصحة السادسة والخمسين في جنيف في شهر مايو 2003م. تلك الاتفاقية التي جاءت بعد ست جولات من المداولات والمشاورات والمناقشات العالمية حتى تم التوصل إليها في صورتها النهائية، تلك الاتفاقية التي جاءت تعبيراً عن تصميم الدول التي وقعتها (192 دولة) على حماية الأجيال الحالية والأجيال القادمة من استهلاك التبغ والتعرض لدخانه، والتي تشكل خطوة رائدة من أجل حماية صحة الإنسان من الأثر المدمر الناجم عن استهلاك التبغ. وهذه الاتفاقية في حد ذاتها اعتراف بأن تفشي مشكلة التبغ تعد مشكلة عالمية ذات عواقب وخيمة على الصحة العمومية تستدعي قيام أوسع تعاون دولي ممكن ومشاركة جميع البلدان في استجابة دولية فعالة وملائمة وشاملة كما تعكس قلق الأسرة الدولية بشأن العواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية العالمية النطاق لتعاطي التبغ والتعرض لدخانه.
إن اختيار موضوع اليوم العالمي هذا العام (مكافحة التبغ والفقر) ليعطي بعداً جديداً يجعلنا نبحث علاقة التدخين بمستوى المعيشة والمستوى الاجتماعي والتعليمي.. ايضا يمكنا أن نتناول مسألة الدول التي تعتمد اقتصادياتها كلية على التبغ زراعة وإنتاجاً وتشحذ الهمم للبحث عن آليات لتعويض هذه الدول، وإيجاد بدائل لدعم اقتصادياتها وإنقاذ غيرها من الدول من العواقب الوخيمة للتدخين. لقد لوحظ ان الفقراء يدخنون أكثر من الأغنياء، ونفس الشيء في الطبقات الدنيا اجتماعيا وتعليميا، من ناحية أخرى فإن التدخين يزيد الفقير فقراً فاستهلاك الموارد القليلة المتوفرة في التدخين يحرم الأسرة من موردها الرئيس ويمنعها من إنفاقه على التعليم والتغذية واحتياجاتها الأساسية، فلقد وجد أنه في دولة مثل بنجلادش مثلا لو أن ثلثي النقود التي صرفت على شراء الدخان تم صرفها بشراء طعام بدلا من الدخان لأمكن إنقاذ اكثر من عشرة ملايين إنسان من سوء التغذية. إن دراسة مشكلة الفقر وعلاقتها بالتدخين دراسة متعمقة تجعلنا نقتحم الطريق إلى مكافحة التبغ الشاملة. إن السياسات المؤدية إلى تقليل الطلب على التبغ (مثل زيادة الضرائب) لن تؤدي على المدى البعيد إلى فقدان الوظائف في معظم الدول، ولن يؤدي كذلك فرض ضرائب عالية إلى تقليل موارد الضرائب لهذه الدول، بل على العكس فإن الموارد سوف تقفز على المدى المتوسط، ويمكن لهذه السياسات في مجملها أن تجلب الصحة للمواطنين دون ضرر بالاقتصاد. إن زراعة التبغ تضر بالبيئة، فنبات التبغ الذي يسلب التربة من المغذيات الدقيقة، إضافة إلى تلوث المبيدات والأسمدة، وإزالة الغابات كنتيجة للحرائق التي تستخدم لمعالجة بعض الأنواع الشائعة للتبغ.. كل ذلك يؤدي إلى الإضرار بالبيئة وانحطاطها وما يستتبع ذلك من آثار على الكائنات من إنسان وحيوان وعلى المواد كذلك. وهناك بُعد آخر هو عمل الأطفال، حيث تشير تقارير اليونيسيف إلى أنه في اواخر التسعينات قد عم استخدام الاطفال في إنتاج التبغ في العديد من الدول المنتجة له، وهذا يأتي للتغلب على الفقر والظروف القاسية لأسر هؤلاء الاطفال.
إن احتفاء هذا العام باليوم العالمي لمكافحة التدخين تحت شعار (مكافحة التبغ والفقر) يشير إلى حقيقة أن التدخين هو سبب لحدوث الفقر، وسبب ايضاً لاستدامة الفقر.
** استشاري طب الأسرة والمجتمع.. زميل الكلية الملكية للطب العام وزميل كلية الصحة العامة (بريطانيا)
مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية |