* القاهرة - مكتب الجزيرة - عطيات عبدالرحيم:
يعد الدكتور أحمد إبراهيم دياب من أبرز الباحثين السودانيين المشغولين دائماً برصد التحولات التاريخية وتأثيراتها على حركة المجتمع في كافة مستوياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وله ثمانية كتب وأكثر من ثمانين بحثاً في التاريخ السياسي والاجتماعي وعمل أستاذاً للتاريخ بعدة جامعات عربية في أم درمان بالسودان والرياض بالمملكة العربية السعودية والفاتح في ليبيا وأستاذ زائر بجامعات برلين الحرة وفرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية ويشغل حاليا منصب عميد معهد دراسات العالم الثالث بالسودان. التقت به (الثقافية) بالقاهرة أثناء مشاركته في مؤتمر اللغة والسياسة بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة حيث شارك فيه بدراسة عن دور الأدب الشعبي في الحراك السياسي والاجتماعي بالسودان وكان هذا الحوار:
* دراستك للأدب الشعبي في السودان هل تأتي لإحيائه بعد أن كاد يندثر؟
- أولاً لابد من إلقاء الضوء على ماهية الأدب الشعبي واقصد به الحكايات الشعبية والذي يسمى في السودان بالحجوة وكذلك اقصد الشعر الشعبي والشعر الديني الصوفي وشعر البطولة العربية في السودان وهذه الأنواع من الشعر تمثل ما يحدث في المجتمع وقد سار الشعر الشعبي السوداني محافظاً على كثير من مظاهر التراث العربي الذي جاءت به القبائل العربية من هجراتها وللشعر الشعبي أعراض كثيرة منها غناء التم وهو يغنيه المسافرون على ظهور الإبل وغناء المطرق ويقال للدفاع عن العرض وإثارة الحماسة للحرب وشعر الرثاء وهناك غناء الرجولة (أغاني البنات) وفيه يظهر دور النساء المهم في غناء الشعر الشعبي فهذه الأغاني تحكي واقع المجتمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لغة عامية بسيطة وسهلة وهناك أغاني البرامكة وهم طائفة هاجرت الى السودان من مصر في أواخر القرن التاسع عشر واستوطنت في غرب السودان ويرجع نسبهم الى البرامكة ويقيمون بين عرب البقارة ولهم طقوس خاصة في مجالسهم وهناك أيضا الشعر الشعبي الصوفي (الكرير) وهو انتشر في عهد الفونج مع انتشار الطرق الصوفية. وأهمية الشعر الشعبي تنبع من ان تاريخ الأمم والشعوب كثير من وقائعه لا يمكن استكمال عناصره إلا من خلاله. والشعر الشعبي السوداني أصيل نابع من واقع الحياة السودانية وهو ثروة قومية غالية وللأسف لم يعن به وتدوينه وقد حاول بعض الرحالة تدوين شيء منه منهم الرحالة بودكهات ومحمد عمر التونسي وماكمايل يل ومن الوطنيين السودانيين محمد نور وضيف الله صاحب كتاب الطبقات وكذلك مخطوطة كانت الشونة وفي العصر الحديث قدم الدكتور عبدالمجيد عابدين دراسة حول الشعر العربي في السودان.
كما أن تحليل الشعر الشعبي السوداني سيقودنا الى فترات من تاريخنا السياسي ويساعد على تسجيل الحراك الاجتماعي على سبيل المثال في بوابة تاريخ السودان الحديث ليست لدينا مصادر سودانية عن المعركة التي دارت بين جيش إسماعيل بن محمد علي والي مصر وبين من تصدى له من قبائل الشايقية السودانية وتروي لنا ذلك مهيرة بنت الشيخ عبود الشايقية من خلال أشعارها الفنية ومن الشاعرات اللاتي صورن حالة المجتمع السوداني السياسية والاجتماعية الشاعرة بنت مكاوي والتي حرضت المهدي على الثورة.
* وكيف ترى مشكلة اللغة العربية في جنوب السودان؟
- مشكلة جنوب السودان جزء كبير منها مرتبط باللغة حيث يعتقد ان شمال السودان يتحدث العربية وجنوبه يتحدث الإنجليزية ولكن هناك قبائل في شمال السودان تتحدث اللغة النوبية وفي شرق السودان يتحدثون لغة البدوايت وفي جنوب السودان توجد مئات من القبائل واللغات ولكن كلهم يتفاهمون معا بالعربية العامية السودانية ويطلق عليها عربي جوبا وهذه العامية تجمع أهالي السودان جميعا وستفيدنا في مسألة الوحدة بعد ست سنوات الانتقالية بعد إتمام اتفاق السلام ومن قبل طالبت في دراسة ان تكتب لغات قبائل جنوب السودان بالحرف العربي خاصة لغة الدينكا وهذا يساعد أيضاً على التواصل العربي الأفريقي بالسودان، وان كان ذلك قائماً منذ التاريخ القديم عن طريق القوافل التجارية فعلى امتداد العصور بدأ العرب الوافدون يختلطون بأهل السودان ومن هذا التلاقح ظهر السودان الحديث الذي لا يشكل دماً عربياً خالصاً أو دماً زنجياً خالصاً أو نوبياً خالصاً فهو يجمع بين هذه الأنواع ويحمل نتاج الثقافة العربية من لغة وفلسفة صوفية وان هذه العناصر يجب دراستها لنضع أسسا للهوية السودانية حتى تحدث الوحدة القومية المطلوبة فلابد أن نتفق أننا سوادنيون وكفى للبحث عن الأشياء المشتركة بين الشعب السوداني. واللغة العربية من العوامل المهمة لتفاهم وتخاطب السودانيين وتساعد على وحدة القبائل خاصة ان الثقافة العربية ليست عنصرية والعامية السودانية تقوم حالياً بهذا الدور أما الإنجليزية فهي لغة متعلمي ومثقفي أهل جنوب السودان فقط واللغة العربية في السودان تعتبر عاملا ثقافيا. فاللغة عامل للتوحيد وليس للفرقة وتدريس اللغات الأجنبية الأخرى فهو للاستفادة من ترجمة آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا بالغرب كما فعلت اليابان فهي تترجم الى اللغة اليابانية كل ما هو حديث وتقوم بتطويره بعقلية أبنائها.
* إذاً أنت مع التعريب بالوطن العربي؟
- بالفعل من الممكن تعريب العلوم الحديثة بالوطن العربي مع الاحتفاظ ببعض المصطلحات الأجنبية وهذا يتم عن طريق التنسيق بين المؤسسات الثقافية العربية بالخارج فليس المهم في فرنجة المدارس وطمس اللغة العربية كما يحدث ببعض بلادنا العربية ولكن المهم ترجمة ومعرفة آخر ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا فنحن نهتم بالمظهر في قضية اللغة أكثر من الجوهر فتجد في المطارات العربية لا يتحدثون معك إلا باللغة الأجنبية وحتى لوحات الإشارة تكتب باللغات الأجنبية فقط وحتى المحلات والشركات العربية والفضائيات العربية معظمها أسماء أجنبية فهذه اعتبرها فرنجة فارغة فإذا كنا لا نحترم لغتنا فكيف يحترمنا الآخرون؟!!
|