بدت فرنسا متحفظة على مشروع القرار الأمريكي البريطاني تجاه العراق، مجددة بذلك الخلافات التقليدية بين جانبي الأطلسي حول هذا الموضوع الشائك، ففي البداية.. لقي شنُّ الحرب على العراق معارضة من قبل باريس وعدة دول أوروبية، والآن فإن فرنسا تتحدث عن أهمية أن ينص مشروع القرار الجديد على أن يكون للحكومة العراقية المؤقتة سيادة كاملة وبخاصة على عمليات القوات المتعددة الجنسيات التي ستقودها الولايات المتحدة، لكن واشنطن ترفض هذا الطرح الفرنسي، وتتطلع الى دور مستقل لها رغم انها تقول: إنها تسعى لتكريس أركان دولة مستقلة، وهو أمر يستوجب أن تخضع قواتها لأوامر هذه الدولة لكي يكون استقلالها أمرا واقعيا.وتؤيد فرنسا في موقفها الصين، ومن الواضح أن مسألة استقلال العراق في قراره وفي سيادته تبدو أمراً حتمياً، وهذا واقع الحال مع أي كيان يتخذ وضع الدولة، ولن يكون العراق استثناءً مهما كثرت فيه المشاكل التي لا يمكن أن تكون معوقاً في مسألة السيادة أو مبرراً لسلب السيادة ومسوغاً لبقاء القوات الاجنبية.وفي وقائع الاحوال بالعراق نرى أن الوجود الأجنبي بات جزءاً كبيراً من المشكلة خاصة على ضوء الحقائق التي تشير الى الانتهاكات في السجون بما في ذلك فضيحة التعذيب التي جرى تصنيفها ضمن أفظع الجرائم الإنسانية، وما جرى الكشف عنه لاحقا من حالات اغتصاب دفعت بضحاياها من النساء الى الانتحار.
ويفيد كثيراً في رسم الخطط للعراق من قبل الآخرين الوضع في الاعتبار، ان تصورات المستقبل يجب أن تؤول الى العراقيين وانه إذا كانت هناك ظروف تحول دون ذلك حاليا مثل غياب الحكم الوطني، فإن الحكومة المؤقتة المقبلة يجب اأن تكون لها الكلمة في كل التصورات والخطط , وأن الجانب الذي يتصل بالأمن والجيش يظل يشكل هاجسا لكل ما يتعلق بالسيادة،
ومن باب أولى أن يكون موضوع السيطرة على الأمن في صلب مسؤوليات الحكومة المؤقتة التي يمكن أن تقرر - هي وليس اي جهة اخرى - ما إذا كانت تحتاج إلى الجيوش الاجنبية الموجودة حاليا على أرض العراق أم يمكنها أن تطلب منها ببساطة مغادرة البلاد.
واذا أصرت دول التحالف، أو بعضها ذات النفوذ الأوسع علىأن تبقى وان تعمل خارج اطار السيادة العراقية؛ فانها تسهم بذلك في تعقيد الاوضاع وتثبت انها تضع مصلحتها قبل مصلحة أهل العراق رغم إنها توجد على أرض العراق الذي يفترض أن تتقدم مصلحته على ارضه على اي مصلحة اخرى.
لقد اثبتت تطورات الوضع في العراق ان التصرف الاحادي، يعكس دائما وفي كل الاحوال طموحات الجهة التي تفعل ذلك، وان ذلك يؤدي تلقائيا الى تشرذم دولي وأن صراعاً ينشأ تتضرر منه الدولة مثار الجدل وهي العراق، ولذلك فان العمل من خلال الامم المتحدة قد يجنب العراق الكثير من المشاكل، لان العمل تحت المظلة الدولية يستقطب جهودا متعددة كما يعكس وجهات نظر متعددة ويقلص من امكانية أيلولة القرار إلى دولة واحدة.
|