* تحقيق- عبدالله آل مانع:
يعتبر الشباب ربيع الحياة الإنسانية، وفي هذه المرحلة تتفتح قدراتهم وتنضج شخصياتهم، من هنا يعتبر الشباب رجال الغد، ورعايتهم هي رعاية لمستقبل الأمة القريب الذي يسعى كل مجتمع لأن يكون قوياً متماسكاً عاملاً ومنتجاً، وإن رعاية الشباب واجب وطني تتبناه مختلف المؤسسات الحكومية والمدنية وهناك الكثير من الخطط والبرامج المخصصة لرعاية الشباب، ويعتبر الشباب مرحلة اتزان نسبي في العلاقات الاجتماعية مع الأهل والأصدقاء وأفراد المجتمع، مقارنة مع غرور بداية مرحلة المراهقة وطيشها.
وتعتبر التنشئة الاجتماعية أو عملية التطبيع الاجتماعي من أهم العمليات التربوية التي تساهم في تنمية شخصية الفرد وتحويله إلى كائن اجتماعي، وتبدأ هذه العملية من المنزل والأسرة (باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى في تكوين الشخصية) مروراً بالمسجد والمدرسة، ثم الأقران والصداقات، ووسائل الإعلام، والمجتمع عامة.
ونستعرض الآن جملة من الآراء والأفكار حول الموضوع:
نفهمهم بالإصغاء لصوتهم:
* الأستاذ محمد بن عوض القحطاني معلم تربية إسلامية أكد على أهمية مراعاة رغبات الشباب من الجنسين وتفهم مطالبهم الطبيعية، وإدراكها يتم بإعطائهم الحرية في التعبير عن خلجاتهم، ومنحهم مساحة كافية للتعبير عن اختياراتهم فيما يخصهم ويتعلق بحياتهم، ولكن مع التوجيه والتصويب وشرح الأمور وتبسيطها أمامهم؛ ليتمكنوا من فهم الإيجابي في الاختيار والبعد عن السلبي الضار والتقليد غير المفيد، وشدّد على أهمية توجيه الشباب على التمسك بالقيم العربية الإسلامية إذ أن فيها غني ومتسعاً للشباب يجدون فيه ما ينشدون من تلبية لرغباتهم النفسية الاجتماعية التي توصلهم إلى تتبع الجوانب المضيئة في حياتهم.
* الطالب بقسم الحاسب الآلي عبدالله بن محمد عبدالله يعتب على كثير من الشباب ممن يتركز همهم على تتبع المسابقات والمنافسات الرياضية أو تصاميم السيارات الحديثة أو مواقع معينة على شبكة المعلومات (الإنترنت) ونحو ذلك، ويكون كل هذا على حساب أمور هامة لمستقبلهم ومستقبل وطنهم ومجتمعهم، داعياً إخوانه الشباب إلى إعلاء الهمم في كسب العلوم والمعارف والرزق الطيب وألا تكون تلك المغريات هي الأساس بل تكون هامشية للتسلية المفيدة.
ويرى الطالب بكلية الشريعة محمد سفر آل محيي أن مسؤولية كبرى يعلمها الأكاديميون والمربون تجاه أبنائهم الطلاب، وهم لاشك يقومون بواجبهم.. لكنه يدعو إلى مزيد من الإحاطة برغبات النشء وحاجاتهم وتقييمها كلما مرت فترة من الزمن عن طريق البحوث والدراسات والندوات والاستطلاعات الجامعية الأكاديمية المتخصصة لتفهم توجهات الشباب من الجنسين، ليمكن توجيههم التوجيه الحسن المناسب وتوعية ذويهم بما يجب فعله تجاههم وإلا فإنهم سيكونون إحدى فئتين.. إما ذات دخل محدود كادحة تبحث عن رزقها ورزق أسرتها فتكابد المشاق في سبيل التحصيل العلمي والعملي، وإما فئة لديها الكفاف أو يزيد وتعيش مترفة بين المقاهي والمطاعم والاستراحات وتزايد العلاقات بما يشتت الهمم ويذيب جهد الشباب، ويرى أن كل فئة تنظر للأخرى نظرة مغايرة قد لا يسودها الرضا ولا تحيطها القناعة، وإنه بذلك يأتي دور المربين المتخصصين لردم الفجوة وتصحيح المسار لصالح الأسرة والمجتمع.
وعبَّر أحد أولياء الأمور وهو سعيد بن علي الأحمري عن عدم فهمه لما يريد كثير من الشباب، فهم يبدون رغبات متباينة لا تدل على فهم لواقعهم وواقع أسرهم، وكثير منهم لا يدرك وضع ولي أمره المادي والاجتماعي فيرهقه بطلبات وأفكار بعيدة عن متناوله وإن جاهد لتحقيقها له، ويكون ولي الأمر ناجزاً عن إقناع هذا الشاب بالرضا بالواقع والسعي الجاد للتحصيل العلمي لتحسين مستواه، وبالتالي ربما مستوى الأسرة أو على الأقل يريح ويستريح، ودعا الشباب إلى النظر بعين متبصرة متعقلة لوضع أسرهم فلا يبالغوا بآراء ومطالب وأفكار قد تعجز عن إدراكها وتحقيقها أسرهم فتنشأ بذور الاختلاف والجفاء وسوء الفهم، وأن يعلموا أن كل أب وأم وأخ وقريب يحب لأسرته ما يحب لنفسه، ولكن إذا أردت أن تطاع فاطلب ما يستطاع.
رعاية الشباب وخدمتهم!
وتوجهنا إلى الدكتور محمد بن حسن أبو راسين، رئيس قسم علم النفس، جامعة الملك خالد، أبها، فكان رأيه التالي:
يعتبر الشباب ربيع الحياة الإنسانية، وفي هذه المرحلة تتفتح قدراتهم وتنضج شخصياتهم، من هنا يعتبر الشباب رجال الغد، ورعايتهم هي رعاية لمستقبل الأمة القريب الذي يسعى كل مجتمع لأن يكون قوياً متماسكاً عاملاً ومنتجاً.
إن رعاية الشباب واجب وطني تتبناه مختلف المؤسسات الحكومية والمدنية وهناك الكثير من الخطط والبرامج المخصصة لرعاية الشباب وتنمية قدراتهم وتأهيلهم، منها:
- التأهيل المهني: حيث يتم إعداد وتدريب الشباب لمهنة المستقبل التي تناسب قدراته وطاقاته وسماته النفسية، ومثل هذه البرامج التأهيلية تساعد في تحقيق التكيف النفسي للشباب والاستقرار المادي والاجتماعي، كما تساعده في تلافي الكثير من المشكلات النفسية في مستقبل حياته.
- برامج النشاط الترويحي وقضاء وقت الفراغ: حيث يتم توجيه الشباب لمختلف الأنشطة الفعالة والمثمرة التي تحقق عدداً من حاجاته النفسية والاجتماعية، مثل التفاعل الاجتماعي وتكوين الصداقات، وتنمية الشخصية، والمكانة، وحب الاطلاع والمعرفة وذلك من خلال الكثير من الأنشطة الموجهة، كالرياضة والمطالعة، والرحلات، والندوات الثقافية.
- تلبية الحاجات النفسية للشباب، فهناك الكثير من الحاجات التي تميز الشباب، منها الحاجة للعبادة، الحاجة للأمن، والتقبل، والحاجة للصداقات والرفقة الحسنة، والحاجة للاستعداد للزواج وتأمين السكن والعمل، وتحمل المسؤولية، إضافة إلى الحاجة للاستطلاع، والاستقلالية والتملك، والمكانة، والتفرد، ويتم تحقيق هذه المتطلبات والحاجات من خلال أوجه النشاط الموجهة والمصممة لهذه المرحلة من مراحل النمو.
- من أهم المهارات التي يجب أن يتمتع بها أي شخص يتطلع إلى مساعدة الشباب ورعايتهم، هي:
- الإصغاء لهم، والإنصات بتفهم لكل ما يقولونه، خاصة وأن الشاب في الكثير من المواقف بحاجة إلى من يستمع إليه ويصرح له بما يجول في داخله من مكنونات وصراعات نفسية يمر بها.
- تقبل ما يطرحه بموضوعية وبتجرد، مع المشاركة العاطفية ومعايشة حالته حتى نصل إلى درجة عالية من الفهم وبالتالي المساعدة.
- فتح باب الحوار والمناقشة معهم وخاصة أن مرحلة الشباب من المراحل الهامة التي تتبلور فيها شخصية الشاب ويسعى إلى الحصول على الكثير من الإجابات لتساؤلات متعددة تدور في ذهنه.
- تشجيعه على النشاط والعمل التعاوني المبدع والخلاق الذي تتفتح من خلاله شخصيته، وتنمو جسمياً ومعرفياً، واجتماعياً وانفعالياً.
- عندما تظهر بعض المشكلات النفسية في مرحلة الشباب فيمكن للمؤسسات التربوية والتعليمية أن تقدم خدماتها المتخصصة لمساعدة الشاب في حل مشكلاته، وتعليمه كيف يواجه هذه المشكلات في المستقبل.
- يلعب المرشد الطلابي في المدرسة دوراً بارزاً في هذا المجال، من خلال المقابلات التي يجريها مع المراهقين، والتعرف على مشكلاتهم، وتدريبهم على الطرق الفعالة والمثمرة في التعامل معها، من هنا يكون دور المرشد تعليمياً وتدريبياً، ليكون الشاب أقدر على التكيف مع مختلف المواقف التي يمر بها في حياته، وقد ذكر بعض علماء النفس أن من أهم متطلبات التكوين النفسي السوي في مرحلة الشباب:
- اختيار شريكة الحياة، وتكوين خلية الزوجية.
- التكيف السليم مع الحياة الزوجية في الحقوق والواجبات والتبعات.
- رعاية شؤون الأسرة وإدارة المنزل.
- النجاح في تحقيق العمل وضمان الدخل.
- تحمل المسؤولية الشرعية والوطنية والقانونية وممارسة الحقوق المدنية.
التنشئة وتكوين الشخصية:
أما الدكتور محمد قاسم محمد عبدالله من قسم علم النفس بكلية التربية، جامعة الملك خالد، أبها، فقال: يعتبر الشباب مرحلة اتزان نسبي في العلاقات الاجتماعية مع الأهل والأصدقاء وأفراد المجتمع، مقارنة مع غرور بداية مرحلة المراهقة وطيشها.
وتعتبر التنشئة الاجتماعية أو عملية التطبيع الاجتماعي من أهم العمليات التربوية التي تساهم في تنمية شخصية الفرد وتحويله إلى كائن اجتماعي وتبدأ هذه العملية من المنزل والأسرة (باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى في تكوين الشخصية) مروراً بالمسجد والمدرسة، ثم الأقران والصداقات، ووسائل الإعلام، والمجتمع عامة.
ونستعرض الآن نتائج الدراسات العلمية حول هذا الموضوع:
- شددت مختلف الدراسات على خطورة اتباع الوالدين للسلوك التسلطي في التعامل مع الابن الشاب أو المراهق، وأثر ذلك في عدوانيته.
- يميل الشاب إلى الانفلات من سلطة الوالدين ويهتم بالاندماج مع زملائه وأقرانه فيسلك سلوكهم غير مكترث بتوجيهاتهم، بل وكثيراً ما يتمرد عليهم.
- هناك علاقة بين انتماء الشاب إلى جماعة الأقران وبعض المتغيرات الهامة مثل تقدير الذات وبلوغ الأهداف والتحصيل، والاستقلال.
- يمكن للأقران أن يساهموا في تكوين بعض السلوكيات السالبة لدى الشباب مثل: التدخين، والتعاطي، وغيرها من السلوكيات اللا اجتماعية.
- الارتباط بالأقران لا يعني ضعف العلاقة الأسرية.
- يفضل الكثير من الشباب قضاء أوقات الفراغ والنشاط الاجتماعي مع الأقران والأصدقاء.
- يميل الشباب إلى نقد تصرفات الأفراد، ولا يتقيد نقده بحدود الأسرة أو جماعة من الناس، بل يشمل المنزل والمدرسة والجامعة.
- يتأثر الشباب- كغيره من أفراد المجتمع- بالتغير الاجتماعي الذي يمر به مجتمعه، وما فيه من مؤثرات: مثل وسائل الإعلام من كتب وصحافة، ومجلات وأفلام وإذاعة، وما تحمله من قيم وآراء مختلفة وقد تكون متناقضة.
- يعيش الشاب حالة من صراع القيم، التي يعيشها أو التي يلاحظها من هذه المؤثرات المختلفة التي تحدث التطور الاجتماعي، خاصة وأن الشاب في مرحلة تكون للشخصية ونضج لها، كما تتكون له فلسفة خاصة في الحياة، وهوية مستقلة.
- تعتبر القيم الدينية والأخلاقية التي يعلمها لنا ديننا الإسلامي من أهم طرق التحصين والوقاية من الكثير من المشكلات والصراعات التي يمكن أن يعيشها الشاب في مرحلة نمو وتغير اجتماعي سريع كالذي نمر به في حياتنا المعاصرة.
على الأسرة والمعلم والقائمين على وسائل الإعلام ومؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية، فهم سمات وخصائص مرحلة الشباب ومتطلباتها، حتى يستطيع الشاب أن يعبر هذه المرحلة بسلام ويدخل مرحلة الرشد باتزان، ليكون إنساناً صالحاً فاعلاً، سوياً ومنتجاً في مجتمعه.
|