Saturday 29th May,200411566العددالسبت 10 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "تحقيقات"

اقتراح بإنشاء هيئةٍ لاستصلاحه: اقتراح بإنشاء هيئةٍ لاستصلاحه:
لمسات وإجراءات قد تحيل وادي الرمة إلى منتزه لأهالي القصيم
مخاطر من تلويث مياه الصرف للبيئة والمزروعات وقتل المواشي

* البدائع - تقرير - عبدالعزيز بن محمد السحيباني:
في صباح مطير من صباحات هذا الوطن الممطرة.. كانت السماء تبدو ملبدة بالغيوم والشمس ترسل أشعتها الدافئة ظلالها.. بدأت البروق والرعود تتوالى على المنطقة التي تمثل أعالي وادي الرمة وأواسطه التي تخترق منطقة القصيم.. مررت متهادياً حتى أشرفت على جبل إبان الشامخ (غرب القصيم).. وكانت السماء ترسل الرذاذ.. والمطر يهمي متقطعاً.. كان جسر وادي الرمة الواقع جنوب النبهانية لا يزال تحت الإنشاء وبدت صفحة الماء التي تغطي وادي الرمة إلى الغرب لامعة وفي خلفيتها بدا (جبل إبان) بشخانيبه العالية وجرى الماء إلى الجنوب منه.. كانت لوحة من الجمال والخيال.. ولكن هذا الوادي الذي هو أشهر وادٍ في جزيرة العرب وأطولها وأخصبها، قد عدت عليه العاديات وشوهت جماله،و لوَّثت بيئته.
مياه الصرف في الوادي
مياه الصرف الصحي الناتجة من مدينة (الرس) يتم ضخها إلى مجرى الوادي الواقع إلى الشمال من المحافظة.. في إحدى المرات كنت راكباً في الطائرة فرأيت ما يشبه النهر مخترقاً وادي الرمة وعندما دققت النظر فيه عرفت أنها مياه الصرف فقط.. وفي الأيام الأخيرة بدأت هذه المياه تقترب من (محافظة البدائع) والتي تمتد مزارعها إلى أواسط وادي الرمة.. عند ضخ هذه المياه إلى الشمال من الرس.. الكل يقول إنها بعيدة عن الرس وهي في وسط المجرى ولكن عند وصول المجرى إلى البدائع فإنها تقع على حافة هذه المزارع.. حيث إن البدائع تقع إلى الشمال الشرقي من (الرس) هذه المياه لا أحد يشك أنها خطر على البيئة حيث إن هذه المياه تحتوي على مواد كيماوية خطرة حتى وإن تمت تنقيتها فهي تنتقل إلى هذه المزارع وإلى المياه الجوفية وتتغذى عليها هذه النباتات وخصوصا الخضروات التي تنتقل إليها هذه المواد الضارة وبالتالي تكون سبباً في الأمراض.
هذا بالإضافة إلى تلويث البيئة بالبعوض وغيره.. ويروي أحد المزارعين أنه نفق له (13) بعيراً بعد شربها من المياه الملوثة في هذا الوادي.. وترى جثث الحيوانات النافقة على جنبات هذا (النهر) بعد شربها منه مما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك احتواءها على مواد ضارة .
إن المياه الملوثة أداة رئيسة لنقل الأمراض المستوطنة (كحمى الوادي المتصدع) و(الملاريا) التي تكثر حول المستنقعات.. فلماذا نجلب مزيدا من الأمراض إلى مدننا.. خاصة وأن مدن القصيم تقع مباشرة على وادي الرمة ما عدا مدينة واحدة، فعند جريان وادي الرمة وامتلائه بالمياه فإن جريانه يشبه الفيضان حيث ينقل هذه المياه إلى المزارع وبساتين النخيل على ضفافه وهي لا شك مياه ملوثة للبيئة.
إن استراتيجية صرف المياه على وادي الرمة هي استراتيجية ضارة بالزراعة وبالإنسان وبالبيئة وقد يقول الكثيرون إنها غير ضارة ولكن كل الدلائل تشير إلى غير هذا.
التعدي على المجرى
يبدأ وادي الرمة من أعالي جبال نجد وفي أعلى نقطة إلى الشمال الشرقي من المدينة المنورة، وبالقرب من جبل (الأبيض) الواقع إلى الغرب من الحائط التابعة لمنطقة حائل ويبلغ ارتفاع منبع الوادي حوالي 2200 م عن سطح الارض ثم ينخفض بحوالي (1350م) عند وصوله إلى الحليفة السفلي وبمعدل انحدار حوالي 1350م على 100 كم = 13.5% أي 13.5م لكل كيلومتر وهو معدل كبير حيث إن المسافة من الحائط وحتى الحليفة السفلى حوالي 100 كم، ثم يبدأ معدَّل الانحدار بالانخفاض حتى يصل إلى حوالي 3 متر لكل كيلومتر عندما يصل الوادي إلى نهايته عندما تحجزه رمال نفود الثويرات إلى الشرق من مدينة بريدة وبالقرب من (الربيعية) عند ما عُرف قديماً ب (قاع بولان) ومعدَّل الانحدار هذا ذو دلالة قوية على سرعة وقوة جريان الوادي عند وجود مياه فيه وخصوصاً مياه الأمطار.. كما أنه ذو دلالة قوية عل أنه في حالة وجود حواجز أو عقوم فإن ارتفاعها لا يتجاوز 2م بينما الفرق بين آخر نقطة وأول نقطة في الوادي تزيد عن 1500 م مما يعني أن تجمع المياه خلف هذه النقاط سيدمر هذه السدود بعد انفجارها وقد حدث شيء من ذلك عام 1402ه حين جرى وادي الرمة جرياناً عظيماً كالطوفان وغطى مزارع البدائع التي تقع على الوادي بكاملها.. بل إنه دخل إلى شوارع (حي العليا) وبعض الشوارع في (حي الوسطى) كانت هناك سدود و(عقوم) إلى الغرب من البدائع وعندما جرى الوادي كان يعبئ فيها أياماً، حتى امتلأت عن آخرها، وبعدها حدث الطوفان وانفجرت هذه السدود وجرفها السيل العظيم وجرف ما أمامها هادرا عارما كسيل العرم، متجاهاً إلى مزارع البدائع فغطى حقول البرسيم وأكوام (الحبوب) حيث إن الحقول حُصدت لتوِّها وكوِّمت في (وادي الرمة) حيث إن فصل الصيف قد بدأ ولم يدر بخلد المزارعين جريان الوادي في مثل هذا الوقت من السنة في هذه العقوم والسواترالتي أقيمت على طول الوادي وفي كل جزء منه وخصوصاً في منطقة القصيم حيث تكثر المزارع على جانبيه بل إن بعض المزارع أقيمت في مجرى الوادي دون أي اعتبار بأن هذا واد ومجرى يؤدي إلى مناطق بعيدة.. كما أن الشاحنات قد دمَّرت قاع الوادي وصار غباراً وهباءً فعند أية هبَّة هواء يثور الغبار من جنباته وكذلك المعدَّات التي جعلت لها حفراً ضخمة في وسط هذا الوادي وخصوصاً بالقرب من جسر (البدائع- الخبراء) حيث إن هذه الحفر تعيق جريان مياه الوادي وتجعل من السير في هذا الوادي خطورة بالغة حيث إن السيارات التي تسير في بطن الوادي تفاجأ بهذه الحفر مما يجعلها تقع فيها وهذا مما أفقد هذا الوادي ميزة التنزه وجعل الفائدة منه معدومة.. حيث كان متنفساً لأهالي البدائع والخبراء ورياض الخبراء والرس في فصل الصيف حيث إنَّ أرضه منبسطة وباردة صيفاً.. أما الآن فقد أصبح مهجوراً نظرا لتدمير أرضيته ووجود مئات الحفر والعقوم وطرق الشاحنات التي أفسدته وجعلت غباره ثائراً.
وعلى هذا فإنه لا بد من القيام بحملة شاملة من قبل إدارات الزراعة في القصيم والبلديات وإدارة الطرق والنقل وأصحاب المزارع والمقاولين الذين قاموا بنقل الطين من بطن الوادي لتسوية هذه الحفر وإزالة العقوم.
هيئة لاستصلاح الوادي
وادي الرمة يعتبر أعظم الأودية في شبه الجزيرة العربية.. ومن الصعب تدمير مجراه بهذا الشكل وفقدان دوره السياحي والزراعي والاقتصادي، وهنا فإنه لابد من القيام بخطوات سريعة لإصلاح هذا الوادي وتطويره بحيث يكون رافداً من روافد الزراعة ومقصداً سياحيا لأهالي منطقة القصيم بل وجميع أنحاء المملكة ويمكن أن يكون ذلك عن طريق تأسيس هيئة لاستصلاح وادي الرمة تتولى إبعاد التعديات عنه وتسوية مجراه وزراعة جنباته بالأشجار الظليلة.
أما مياه الصرف الصحي فإنها بشكلها الحالي ذات أثر مباشر في تدمير بيئة الوادي وتلويث المياه وانتشار البعوض .
وعلى هذا فلابد من إضافة محطة معالجة ثلاثية لتنقية هذه المياه وإبعاد متبقيات المواد الكيماوية منها.. ومن ثم إرسالها في الوادي.. ويمكن دراسة إسالة الوادي بالمياه من مصادر مياه جوفية وفيرة.. أو وضع بحيرات وسدود لحفظ مياه الأمطار التي تضيع هباءً وإسالتها في الوادي صيفاً.. وبهذا يعود متنفساً ومنتزهاً للأهالي كالنهر الجاري وتوضع على جنباته الأشجار الظليلة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved