أثناء تفقد الملك عبدالعزيز لقصر المربع، إبان مراحل بنائه، لاحظ أن البَنَّاء (عامل البناء) قد نقش على مدخل قاعة الاستقبال هذين البيتين:
لسنا وإن كرمت أوائلنا
يوماً على الأنساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل مثلما فعلوا |
وحينما تأمل الملك المؤسس البيتين، طلب من البَنَّاء أن يعدِّل البيت الثاني ليكون:
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا..!
المفكر السعودي الكبير عبدالله الغذامي، أحد أهم المفكرين العرب المعاصرين.. كتب تعليقاً على معاني دلالات تأملية الملك المؤسس العميقة، التي تؤكد عبقرية ملك مجدد ومؤسس حضاري لدولة تبني (فوق) ما بنى أوائلها. فقد كتب في كتابه (حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية) ما نصه:
(هذا التحول من تعبير (مثلما فعلوا) إلى تعبير (فوق ما فعلوا) هو تحول بالوعي، لأن الملك قرأ ووعى.. ولم يسلم بالبيت المحفوظ بوصفه حكمة (ثابتة) تدل على الأصالة والانتماء للجد والسالف المجيد، لقد أدرك بوعي أن (تكرار) العمل ليس (مشروع تأسيس) بقدر ما هو (مشروع تقليد)!، وأدرك الفارق ما بين (التقليد والمحاكاة) من جهة، و(التأسيس الريادي) من جهة ثانية.. لهذا أمر بتغيير التعبير وتدخّل في نظام البيت وفي لغته، وهذا وعي دال يكشف عن حس ذاتي بالدور المطلوب، يلتقط حس (المرحلة وشرطها)، ويعي أن المجد القديم هو (لأصحابه الذين صنعوه)، وأن على الحاضرين أن (يؤسسوا لمجد لا يماثل المجد الماضي، بل يجب أن (يفوقه) و(يتجاوزه).. وهذا هو التجديد الواعي).
يضيف الغذامي في تعليقه الخصب:
(وكما كان الملك عبدالعزيز يلزم نفسه بأن يفعل فوق ما فعل سابقوه، فإن الشرط الحضاري يجب ان يتوفر فينا نحن أيضاً ونترسم صيغة العمل والتجديد الواعي، فنتعمد نحن مقولة أن نفعل فوق ما فعلوا، فإن لم يحدث ذلك فلا ريب أن موقعنا التاريخي سيصاب بسكون خطير يؤدي في النهاية إلى الموات)..
سأكتفي بذلك من د. الغذامي، وسأعدل (البوصلة) باتجاه خيمة الرياضة السعودية، جنبها الله ذلك (السكون الخطير) الذي يؤدي في النهاية إلى الموات.. والذي استشعرت مدرج الكرة شيئاً من علاماته.. السداسية، والخماسية، وقبلها الثمانينية الألمانية مرورا بثلاثية الأولمبي وهو ما جعله يهجر المدرجات فباتت ناضبة.. شحيحة.. ولهذا سأتعمد أن انبه نفسي ومن يقرأ هذا الخبر، من اننا نعيش في زمن الألفية الثانية التي تبوأت فيها (الرياضة) قيمة ومكانة هامة بالنسبة للفرد والجماعة والكينونة البشرية لصحتها ومعاشها وايقاع صيرورتها، (الرياضة) التي تشكل ضرورة وحق يحتاج توافره وتواجده ونظافته كل فرد في المجتمع العولمي لتحقيق التوازن البدني والعقلي والنفسي، ليكون الفرد (قيمة منتجة).. وبالتالي يستطيع كل أفراد المجتمع من البناء (فوق) ما فعله الأوائل.
آه.. ولكن ما الذي فعله الأوائل؟
سأجيب بسطر: كثير.. كثير.. لازلنا نقتات من فضله وإنجازه ومجده..
ولكننا، وهو ما يجب أن نواجه حقيقته، وألاَّ نمارس حجبها لكونها معاينة، وملموسة: نعيش حالة سكون خطير.. عاجزة عن إنتاج فكر رياضي يدير ويُسيِّر ويهندس واقع النادي الرياضي، والتعامل مع متغيرات الداخل والخارج الرياضية.. التي لا مفرَّ لنا من الهرب عنها، أعني منظومة الرياضة العولمية.. التي لها شروط ومواصفات للذين يريدون التنافس في ميدانها.. من لا يستطيع امتلاكها ولا حيلة له إلا الهرب الخادع من قدرها.. فعليه التحول إلى مدرج المتفرجين والاكتفاء بطموح المشاركة في طابور الافتتاح البروتوكولية..!
العلم، والتقنية، هما الوسيلتان اللتان تسير عليهما أية منشأة رياضية تريد أن تنافس.. ان تبني (فوق) ما بناه وفعله وأنجزه.. الأوائل.
على فكرة، سأورد هنا خبراً أوردته الصحافة الرياضية سيصيب كل مؤمن بأن العلم وسيلة بناء وعمل وادارة.. بالخنق.. مفاد هذا الخبر: أن رئيس الهلال ومجموعة من مسؤولي الإدارة قد عقدوا اجتماعاً مصغراً لمناقشة أمور النادي بعد نهاية المباراة في غرفة تبديل الملابس وقرروا إبعاد المدرب..!
ثم يأتي الخبر الأكثر انتشارا ونشرا: الرئيس ومجلس إدارته يعقدون اجتماعا في مقر سموه ويقررون.. مصير النادي!
أبهذه الأسلوبية.. تتم تداولية شؤون منشأة لا يملك أية أحد صك ملكيتها.. ولا هم يحزنون.. أهذه هي الطريقة والأسلوب والممارسة العلمية الحضارية الراقية التي تهتم بها مداولة شأن منشأة رياضية (عامة).. وليست (ملكية خاصة) تمنع اللوائح والأنظمة أن تتم مداولاتها الرسمية خارج مقر النادي..
احتراما لعقلية الناس والمنتمين لهذا الكيان الرياضي ما كان يجب أن تمارس هذه الاستهتارية المرفوضة.
بل آن الأوان إلى انتشال حال كل الأندية السعودية من هيمنة وسيطرة هذه المجموعات بكل أطيافها أو الشللية أو الانتفاعية أو الأمية.. والتأكيد على عمومية ومشاعية المنشأة الرياضية لكل الناس ولجميع فئات المجتمع سواء بسواء.. مثلاً بمثل.
(انتكاسة الكرة السعودية)
هذا هو العنوان الذي كتب به أستاذنا وناقدنا الأديب الكبير عابد خزندار مقالته الهامة في زاويته (نثار) في صحيفة عكاظ، وهي مقالة سأتعمد في ايراد جزء مهم منها عامدا متعمدا، لكونه يعبر باقتدار عن حقيقة واقع الكرة السعودية.. لا مفر من أن نضحك على أنفسنا ونوهمها بعدم (جدواه) وبطريقة (كبوة جواد) أو (شدة.. وتزول)..!
مقالة الكاتب الذي يملك أسلوباً فريداً في كتابة المقالة الجديدة على مستوى الكتابة العربية المعاصرة، حتى انني أزعم من أن (ولا مقالة فاتتني) مما يكتبه قلم وعقل أستاذي الخزندار، بل لعله معلمي الأهم في فنية الكتابة الجديدة..
يقول الأستاذ عابد:
(والانتكاسة بدأت من مباريات كأس العالم الأخيرة حين هزمتنا المانيا 8-صفر وأعقبتها انتكاسات أخرى، فخرج فريقنا الاولمبي من تصفيات الألعاب الأولمبية وهزم هزيمة مدوية أمام فريق مهلهل ب3-1، وهو فريق العراق الذي فازت عليه الكويت 2-صفر ورصيد الاتحاد الفريق الأول من دوري أبطال العرب نقطتان فقط. ثم جاءت ثالثة الأثافي وانهزم الهلال الفريق الذهبي 5-2 من الشارقة.
صحيح اننا فزنا بكأس الخليج، ولكن لأننا كنا أحسن الأسواء، فما الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الدرك؟).
أستاذنا الناقد كشف في مقالته عن متابعة ورصد للحدث الرياضي في المملكة، وهو ما يؤكد حقيقة على الجميع، مسؤولين في الرئاسة والاتحادات والأندية الرياضية من ادراكها واستيعابها ووضعها في الاعتبار.. وهي أن (مدرج الرياضة) قد تطور، واتسع، وازداد تنوعا، وان هذا (المدرج) هو أكثر مخلوقات المجتمع - أيَّة مجتمع - تطوراً ونمواً وتراكماً للمعرفة والخبرة لهذا ستجد لو أردت استكشافه ان من يشكله هو طالب المتوسطة وأستاذ الجامعة، وسائق الاتوبيس وضابط الشرطة وعامل المخبز والطبيب والأديب والمهندس وكل أطياف المجتمع التي تبتغي تنفس الهواء الطلق.
الأستاذ عابد يعطي النموذج.. وهو ما يعطي - إذاً - الحق في رفع الصوت بالمطالبة بفتح النوافذ والأبواب للهواء الطلق والمتجدد والضوء الساطع المنير لكامل أركان الأندية الرياضية.. وفك قيدها من هيمنة حراس العقلية الرياضية التي جبَّ مبرر وجودها رياضة زمن العولمة.. وحق المجتمع في ان ينتفع بأنديته، أن يديرها ويشارك في هندسة واقعها والمساهمة في أن تكون قادرة على ان تبني (فوق) ما بناه الأوائل..
أول خطوات هذا الفعل: احترام عقلية مدرج الكرة.. ووجودها.. من خلال تمزيق تلك الدعائية المرسخة من أنه تكوين للغوغاء والعاطلين وذوي العقليات السطحية والخاوية. وهذه أكذوبة مروجة.. يراد أن تكون حقيقة!.. ولكن.. هيهات.. هيهات.. فالعلم ومشاعله وازدياد قنوات المعرفة واشاعة ثقافة المعرفة.. جعلت من هذا المدرج.. مخلوقاً لا يمل من التطور وتركيم المعارف.. ولا يمل من أن الانتظار وأخذ حقه في إدارة شؤونه بنفسه.. شؤون منشآته الرياضية.. دون وصاية.. ودون تهميش وتقزيم لامكانياته ومدركاته.. ودون ان يختطف النادي الرياضي منه..
من أجل كرتنا.. الخضراء
* الكرة السعودية، أحوج ما يكون إلى خطوة اصلاحية جريئة وعاجلة، تؤسس ل(منظومة كروية جديدة) ولا تكتفي فقط بالترميم والتعديل.. لكون ذلك هدراً للجهد والمال والوقت..
يجب تحرير الأندية السعودية من واقعها الراهن.. من خلال اعادة صياغة وضعية النادي الرياضي.. وأول ما يبدأ به اعطاء النادي (صفة معنوية وحقوقية).. مستقلة تجعله قادراً على إدارة أموره بنفسه دون وصاية ولا تقييد، فلم يعد مقبولا في زمن الاحتراف الرياضي ونواميس الرياضة العولمية.. أن تدار ويهندس ايقاع هذه الاندية من خلال لائحة أعدت وعملت لأندية ما قبل ثلث قرن.. اختلفت فيه كل الأشياء في عالم الكرة ومنافساتها.. ومجتمعاتها العولمية الراهنة..!
* لابد من اعطاء الحق لأية مؤسسة أو أفراد في تأسيس الأندية الرياضية بكل ثقة وحسب شروط تستوعب غاية واهداف الرياضة في مجتمعات الألفية الثالثة.. من أجل واقع رياضي سعودي أفضل ومثمر ومحقق لحاجات وتطلعات الشعب السعودي الأبي. في اليابان 2300 ناديا رياضيا!! وفي هولندا يبلغ عدد اللاعبين المسجلين في مختلف الفئات العمرية 361 ألف لاعب.
لدينا - هنا - في السعودية: 153 نادياً (!) و16 ألف لاعب فقط.. لا أكثر وانما أقل!!
تصوروا.. في بلد كالنرويج يوجد (نادي رياضي) لكل 367 نسمة! فيما لدينا في السعودية (نادي رياضي).. لكل 122 الف نسمة!!
من يتحمل مسؤولية هذا الواقع؟!
من يرفع إصبعه.. ولا أقطعها!!
* لم يلتف جمهور الهلال حول رئيس كما فعلوا مع الأمير عبدالله بن مساعد ولم ينفض هذا الجمهور من حول أي رئيس للهلال كما انفضوا من حواليه، ولم يخذل رئيس هلالي جماهير ناديه.. كما فعل الأمير الذي قاده نهج المدرسة التقليدية الأحادية الاقصائية إلى ارتكاب أكبر نكسة عرفتها كرة الهلال.. في تاريخه.
إخفاق الأمير في العمل الرياضي، لا يلغي ما يملكه من كفاءة عملية في ميدان العمل التجاري والإنتاجي، والأمير عبدالله مهما اختلفنا معه في نهجه الرياضي يظل عقلية متعلمة ومثقفة ذات خلق وآداب عربية إسلامية حضارية نفرح بها ونحبها..
** * مهما مدد، أو عدل، أو بدل، أو فرض.. المهيمنون على أمور التنصيب في الهلال.. فلا حل في ظني الا واحد أوحد: ترك مدرج الكرة الهلالية.. يدير ناديه بنفسه. هو من يختار إدارته وفق ممارسة ديمقراطية حقيقية وأمينة وناضجة.. ليضع حداً لهيمنة البعض في هندسة شؤون النادي الشعبي الكبير.
فالمال الحقيقي هو في زخم العقلية التي تعرف كيف تدير وتمول متطلبات ناديها دون منّة، ودون ارتهان لكرم او فزعة او مزاج واهب.. بل ان الأندية التي تصنف على انها أندية شعبية كبرى.. لا تستحق هذه المكانة ان كانت تبني مجدها ووجودها على جيب واحد.. أو عشرة..
للهلال رجال وجماهير غفيرة ناضجة.. قادرة على إدارة أمور منشآتها الحضارية الكبرى.. ففيها رجال غرّ ميامين كالأمير سلطان بن محمد وغيرهم كثر ولله الحمد لن يتوانوا في دعم جمهور ناديهم والمساهمة معه في دعم ومؤازرة كيانهم..
لو كان لي في الأمر مشورة: لاقترحت الأستاذ صالح الصقري رئيساً جديداً للنادي، مهمته تأسيس واقع هلالي جديد لمرحلة جديدة وواقع رياضي مختلف عما فات.. وما هو راهن..
* * * عيب.. أقل ما يقال ل(المحفل الأصفر) المهيمن على الشاشة الفضائية والذي يرسخ أمية رياضية ممقوتة.. لا يملون من مارس تشويهاتها بحق الرياضة والعقل السعودي. آخر هذه الممارسات.. اللقاء (المفبرك) و(المهندس) مع مشجع تقمص صفة المشجع الهلالي.. الذي يعلن تركه تشجيع الهلال بعد هزيمة الأهلي.. فات على (الأغبياء) أن كاميرتهم الفرحة بالنكسة الزرقاء قد صورت هذا المشجع وب(زغرودة) طقاقات الأعراس التي لم يستحي من رنرنتها في غمرة ابتهاجه مع لاعبي الأهلي في غرفة اللاعبين، لتعود الكاميرا وتقدمه من جديد على أنه مشجع.. تائب!!
صورة المشجع المزدوج.. ظهرت في الصحف وهو يشارك لاعبي الأهلي الفرح في الملعب بعد انتهاء المباراة مباشرة متشحا بالعلم الأهلاوي مما يؤكد انه غير ما تقمصه وافترى به أمام كاميرا شلة صاحب.. الماجستير الثمانينياتي..!!
عيب.. أقل ما يقال.. على أيِّة حال.. التغيير قريب.. وجاهز!!.
* * * علامة استفهام تثير نفسها.. فعلاً:
الدكتور عبدالرزاق أبو داود خبرة رياضية لاعباً وقائداً لمنتخب بلاده وإدارياً ورئيساً لناديه.. كيف لا يعطى ثقة للمشاركة بالعمل في شؤون الكرة السعودية على الأقل في منتخبها الأول.. ومثل الدكتور كثيرون!
مجرد رأي.. تذكروه يوماً!!
** * ماذا عن فصول مسلسل الهروب من المنشطات التي بهذه الطريقة يمتهن فيها احترام النظام!.
اللغة التي تستخدم باتجاه أعضاء لجنة الكشف عن المنشطات وأمين عام الاتحاد.. تؤكد أن الأمية الرياضية تفعل أفعالها دون اكتراث..
أتذكرون ما الذي فُعل بإدارة النجمة وما وجِّه لها من لفت نظر.. ووعيد لكونها عبَّرت عن موقف.. وبكل أخلاق وأدب واحترام لمشاعر وكرامة وإنسانية وأخلاقيات الآخرين.. والذوق العام!.
|