بريدة تودِّع خطيبها..
خالد عبدالعزيز الحمادا /متوسطة الشيخ صالح البليهي - بريدة

الزحام شديد والعدد كبير.. المشهد مبك والموقف مؤلم.. والمكان مكتظ ويكسوه الصمت وتلفه ثياب الحزن.. الكلمة لا تكفي والعبارة عاجزة عن كتابة المشهد وترجمة المنظر المحزن التي مرت به مدينة بريدة يوم السبت 7-4-1425هـ.. يوم توديع فقيدها وشيخها الجليل وخطيبها الفاضل محمد بن علي السعوي الذي طالما صدح بصوته الجميل الصادق من على منابرها.. كلماته النيرة تجوب أحياءها وتسكن نفوس أبنائها.. توجيهه وإرشاده، أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، القيم الفاضلة والمبادئ الرفيعة والأخلاق الحسنة وسيرته الطيبة الحسنة والكثير الكثير من رصيد الخير والصدق والوفاء هو الذي دفع هذه الجموع من الناس وساق هذا الحشد الكبير.. هو الذي جعل الناس يتركون بيوتهم وظلها الوارف ووقت الراحة ليخرجوا في شدة الحر تحت لهيب الشمس ليشيعوا هذا الرجل المخلص الصادق والشيخ الفاضل - نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً -.رحل هذا الرجل وخلّف ذكراً حسناً وتاريخاً عطراً وهذا الذي يسعى له كل إنسان في هذه الحياة فالمال والمكانة والشهادة وكثرة العلم لا تصنع الحب في نفوس الناس ولا تغرس الود في قلوبهم وإنما يصنعها الإخلاص والخلق الرفيع والصدق.. يصنعها الفضل والسيرة الحسنة والخير والصلاح.. عرفنا هذا من الشيخ عندما كنّا طلاباً نجلس أمامه في قاعة الدرس في المعهد العلمي ببريدة، فكان نعم المربي والرجل الناصح.. ست سنوات تعلمنا منه الكثير.. تعلمنا الأدب والاحترام والتواضع والخلق الرفيع العالي.. تعلمنا منه السمت والدماثة وطلاقة وإشراقة الوجه وحسن الخلق.. كان رحمه الله يتدفق علماً وفضلاً ومعرفة ولم يتوقف نصح الشيخ وتوجيهه وإرشاده في المعهد فقط وإنما من على رؤوس المنابر في يوم الجمعة فكلماته المفعمة بالحب والإخلاص والوفاء تتجاوز الأسماع لتقع مباشرة مؤثرة في النفوس.آخر كلمة سمعتها منه ما زلت أعيها وأذكرها انه قال لي: (التعليم أمانة ورسالة هادفة فأد أمانتك واخلص في إيصال رسالتك).. نعم الرجل أنت ونعم الكلمات تلك.. رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته.
توفي الشيخ مساء الجمعة 6-4 في حادث مفجع على طريق الرياض القصيم وتوفي معه ابنته الصغيرة وزوجته تغمدهم الله بواسع رحمته وأدخلهم جنته {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ولله ما أعطى ولله ما أخذ.