منذ أكثر من خمسين خريفاً، دخلت إجراءات شؤوننا المالية في دوامة من التعقيد مازلنا نعاني من عقابيلها ومساوئها إلى اليوم وإلى الغد، وإلى ما شاء الله، إلا أن تأتي نفحة تقضي على هذه الأوزار التي بذرها خبير مالي اسمه (زكي سعد) منذ ذلك العهد، ويبدو أن وزارة المالية قد أنست بذلك، لأنها شعرت بما يشبه الارتياح، إذ الضار لشرائح من البشر حتى لو بلغ عددها الملايين، ربما فيه نفع لمؤسسة مالية، حين تتكدس الأموال وفيها حقوق شرائح مستحقة، لكنها لا تطال حقوقها، لأن (روتين) زكي سعد الذي كبلنا به، ألفناه، ولا ضير أن يبقى حتى لو كان فيه أذى الناس، فالأمر أصبح عادياً، ولا داعي للقلق والاستعجال، فلدينا ما طارت، كما يردد بعضنا، جاداً أو هازلاً!
** إذاً سيدنا زكي سعد عليه شآبيب الرحمة، ألبسنا درعاً بل دروعاً، هي تلك القيود المالية هي من عموم البلوي التي تتردد على ألسنة الفقهاء، فالذي يودع باسم أي إدارة وأي مصالحة، وقد يكون خطأ، والحق يوجب استرداد مبالغ أودعت، ويمر عام وعامان وأعوام، والذي يودع بئر المالية، مؤسسة النقد، فقل عليه السلام.
لكننا نعلن ونردد أننا أمة حق، أخذاً وعطاء، غير أن -قيود- العم سعد التي كبلنا بها وارتضيناها يومئذ ربما عن جهل، لأنا لم ندرك عواقبها، أصبحنا أسرى لها.. والسيد زكي رطب الله ثراه، حمل إلينا بأمانة، ما كبّل به الإنجليز بلاده يوم كان يحكمها قبل عقود، فالرجل لم يفتئت، ولكنه جاءنا ونحن في شبه غرق، فأراد أن ينقذ، فصنع ما رأى أنه يناسبنا، وقد فرض على بلاده، ومازالت تعاني من ويلاته، فلنكن نحن معهم، حتى نصحو، ونلتفت إلى الأنظمة البالية، فنرمي بها في اليم، ثم ننشىء أنظمة مالية مرنة، فيها يسر، وليس فيها عسر!
** غير أنني أستدرك، لأقول إن اليسر في الأنظمة المالية، شيء غير وارد، فنحن وأمثالنا لا يصلح لنا إلا العسر وحده، ولا شيء غيره.. وإذا كان ذلك كذلك، فإن الانفراج غير وارد لأنه قد يقود إلى الكثير من الخلل، والذي نحن فيه يكفينا، ولسنا في حاجة إلى مزيد، أليس كذلك؟!
** والقضية وأمثالها مئات وربما آلاف، مبلغ ألف ريال، أودع أحد فروع بنوكنا لحساب المديرية العامة للجوازات، لقاء رسوم إقامة زوجة رجل سعودي، وذلك بتاريخ 26-2-2001م، ويومها صدرت تعليمات جديدة بتغيير الإجراءات، فدفع الزوج رسوماً جديدة بديل ما دفع سابقاً، وطفق يراجع إدارة الجوازات للإفراج عن المبلغ السابق ورده إلى صاحبه.. غير أن المدة التي انقضت على دفع ذلك المبلغ لم يمر عليها سوى ثلاث سنوات ميلادية، وأكبر الظن أنها غير كافية، ولابد من الصبر والانتظار والعجلة من الشيطان.. وكلما راجع صاحب الحق إدارة الجوازات في جدة، يقال له: لم يردنا شيء.. ولعل هذا رد كاف.. ورحم الله السيد زكي سعد، الذي أساء، وربما كان يريد الإصلاح، لكنه لم يوفق، أو أنه عمل ما عمل عن اقتناع، فالأعمال بالنيات!
|