تعود علاقتي بالجن إلى تلك الأيام الأولى التي أخذت أغادر فيها الطفولة..
اعتادت والدتي رحمها الله أن تأخذ معها عندما تصعد إلى السطح الأعلى غضارة ماء تضعها على سور السطح (الحجي) حتى لا يضطر أحد أن ينزل إلى الدور الأرضي إذا ما احتاج إلى الماء في آخر الليل.
لا يمكن لأحد أن يستغني، في صيف ذلك الزمان، عن الماء في منتصف الليل. يكاد النائم يختنق من الحرارة ومن الغبار الواقف في كبد السماء. لابد للإنسان أن يستيقظ مرة أو مرتين يبل ريقه ويمنح جسده شيئاً من الرطوبة. نهضت من فراشي يحرق الظمأ كبدي. كان كل شيء نائماً عدا الكلاب والقطط التي تجوب الحواري بحثاً عن الحب. حتى الآن لا أعرف هل نسيت والدتي، فعلاً، أن تؤمن الماء أم أن هناك سبباً آخر فرض عليها نسيانه، فالإنسان لا يخل بعاداته الثابتة. مازلت أشك حتى هذه اللحظة أن أحداً سحب الغضارة ليستدرجني. فمنذ أن وعيت نفسي وأنا أشاهد ذلك الإناء المزخرف يتلامع على الحائط كواحدة من تلك النجوم التي تجوب سماوات الله الخالدة.
امتلأت تلك الليلة بمجموعة من الصدف. أقول صدفاً لأدرأ الغموض الذي لف أحداث تلك الليلة. الله أعلم هل كانت صدفاً أم لا. ربما كان هناك تدبير، لأني عندما استيقظت وبحثت عن الغضارة كان يجب أن أوقظ أمي حتى تتدبر الأمر. كنت طفلاً في الثالثة عشرة ما كان يجب أن أتخذ القرارات التي اتخذتها. لكن بوحي يُوحى زال الخوف الفطري الذي ينازع الأطفال في مثل هذا الوقت من الليل. وخصوصاً أن مواء القطط العاشقة يشي بأن شيئاً ما يمس القلب في انتظاري. رغم الظلمة الحالكة التي كان البيت يغوص فيها قررت أن أنزل إلى الدور الأرضي لأشرب. تسللت من بين المراقد وسرت كاللص في هدأة الليل. كان علي أن أنخرط دورين وأمر على عدد من المصابيح المظلمة حتى أصل إلى الدور السفلي. وعندما بلغت بطن البيت واجهت الصدفة الثانية. تذكرت أن والدي نقل الزير إلى هناك بعد أن باع الغنمة ونظف مكانها ولكن الحوش مهما تم تنظيفه سيبقى موطنا للفوضى. كل شيء نتخلص منه ولا نريد أن نبتعد عنه نهائيا ننطله في الحوش، فصار ضاجا بالأشياء التي يمكن أن يملكها الإنسان في ذلك الزمان. حصرات وسحاحير وكراتين وبقايا تكنولوجيا زمان؛ مروحة وراديو أبو بطارية ودربيل سحري وغير ذلك. عندما تدخل الحوش أول شيء يتلقاك كومة من الحطب وكيسين فحم. أما الزير فقد حل مكان سمور انتهت صلاحيته وتراجع ثلاث أو أربع خطوات في الزمان والمكان متقهقراً مع أيام عزه.. ولأني أعرف كل متر في ذلك المكان لم أحدث أية ضجة.. تسربت بين المساحات التي تركتها الأشياء لأصل إلى الزير، فجأة ورغم الظلمة التمعت في عيني خرقة سوداء ملقاة على كومة الحطب. لعلها تكون شيلة أمي سقطت بطريقة أو أخرى. عندما وضعت يدي عليها شعرت بأنها مبتلة. سحبتها من فوق الحطب وأخذت أتأملها بأصابعي أكثر من عيني. كانت خرقة غريبة تماماً. فملمسها ناعم كالشامواه وليس كالشيال القديمة التي تحفها خشونة بعيدة. لا يمكن أن تفرد. فليس لها طرف تبدأ منه. بلا طول أو عرض. وفي اللحظة التي وترت الشيلة بقوة لأفردها سمعت صوتاً يئن تحت الحطب فانسحبت بسرعة وألصقت نفسي في الحائط وفجأة أضاءت الشقوق والمسامات التي تتخلل الحطب بضوء أبيض كأنما هناك نجفة لفت معه. اختلجت التجاويف فأحسست أن هناك شيءًا يريد أن ينهض من داخل الحطب.
بعد غد سوف نبدأ الهبوط في عالم الجن السفلي ولقاء حسناوات الجن وجهاً لوجه.
فاكس 4702164
|