من أكثر الأمور إثارة للاستغراب أن تجد اثنين من الناس يتحاوران حول موضوع الانتماء والولاء هل هما للأمة أم للوطن؟.. منشأ هذا الحوار يبدو واضحاً بدرجة كبيرة، سيما في هذه الأزمنة المتأخرة التي كثر فيها الحديث حول موضوع الانتماء والولاء وآثار هذين الأمرين على واقع الناس ومستقبل مجتمعاتهم. إرادات دولية كبرى، وكيانات مجتمعية مبعثرة، تحاول النيل من أي مظهر من مظاهر الانتماء أصلاً، ولذا برزت قضية الانتماء كواحدة من أهم القضايا المثيرة للجدل، والتي تحتاج إلى تجديد الفهم حولها، وتحديد الموقف تجاهها. أن يكون انتماؤنا للأمة الإسلامية، فهذا جميل جداً، بل هو مطلب رئيس من متطلبات العيش الكريم في هذا العالم المعاصر المشحون بإرادات الاختراق. ولكن على الرغم من كل ذلك، هناك ثمة سؤال محوري مهم جداً ربما كان من الأولى لنا أن نطرحه على أنفسنا في معرض البحث عن تجديد رؤانا حول عملية الانتماء: كيف يمكن بناء ولائنا وانتمائنا بشكل صحيح؟ لعلي أضرب مثالاً فيتضح المراد هنا، فلو أننا تحدثنا عن سيادة أمر معين في مجتمع من المجتمعات فسنحتاج إلى أن ننظر للأفراد في ذلك المجتمع، فإن صلح الفرد فسيكون صلاح كامل المجتمع أمراً تبعاً في غالب الأحيان لأن المجتمع ليس إلا مجموعة من الأفراد في أوضح صوره. ولذلك فالحال نفسها يمكن أن تطبق على موضوع الانتماء، ذلك أنه في حال الرغبة في أن يكون انتماؤنا للأمة الإسلامية، أو للأمة العربية، أو لأي كيان آخر مهم لنا، فمن اللازم أن نراجع مدى ارتباطنا بالوطن الأم وانتمائنا الحقيقي له فكراً وعقلاً وممارسة، وذلك لأن الأمة ليست إلا مجموعة من (الأوطان) و(المجتمعات) في أوضح صورها المعاصرة. وبالتالي، فإن الحقيقة اليسيرة الواضحة جداً، هي أن طريق الانتماء الحقيقي لأي كيان دولي وعالمي كبير يجب أن يبدأ من الوطن.
إن المساومين على ولاء الناس لوطنهم في مجتمعنا خاصة، لا يخلون في غالب الأمر من أن يكونوا أقطاب إرادة اختراق معين، ليس للوطن وحسب، ولكن أيضاً لكل مقدراتنا كأمة مسلمة. ولذلك، فهذه دعوة واضحة وصريحة أن يراجع كل منا نسبة انتمائه لوطننا الكبير (السعودية) لأنه كما يبدو واضحاً، لن يكون لنا أي انتماء آخر يبعث الاحترام في نفوس الآخرين ما لم يبدأ من الوطن، (ولاءً) و(انتماءً) و(حمايةً) و(دفاعاً) وصوناً من كل عابث وحاسد وحاقد. وبذلك فلتبق (السعودية) الأرض الطيبة الطاهرة المحببة إلى قلوبنا جميعاً والمتأصلة في أعماقنا، حتى نكون أقوى وأعز وأنبل وأكثر إثارة للاحترام عند الآخرين مما يجعل انتماءنا - بعد ذلك - لأي كيان دولي نريد أمراً متحققاً بالضرورة وفق مقتضيات العزة والرفعة والشموخ.
|