Saturday 29th May,200411566العددالسبت 10 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "دوليات"

قراءة في القمة العربية قراءة في القمة العربية
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل ( * )

لا شك أن القمة العربية التي انعقدت في تونس يومي الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر مايو الجاري، قد نجحت إلى حد كبير في التعاطي الصريح مع تحديات الوضع العربي، وهو مما جعلها تخرج بنتائج أجمع الكثيرون على أنها قد لبت الكثير مما يصبو إليه المواطن العربي مقارنة مع الواقع العربي المنهك.
ولعل ذلك يعود إلى التحضير الجيد لهذه القمة، فالواقع أن عملية التأجيل التي عرفتها القمة عن تاريخها الأول، قد جاءت بمثابة الضارة النافعة، الأمر الذي أدى بالضرورة إلى تحريك أكبر للساحة الدبلوماسية العربية، مما خلق جوّاً ماراثونياً لهذه الساحة انتهى بها إلى وضع اللمسات المدققة الأخيرة والضرورية على الملفات المقترحة على القمة.
ولعل أبرز ما تحقق من ميزات في هذه القمة، هو نجاح في تجاوز طابع المحاور الجهوية التي كادت أن تظهر مرسخة ما كان يعرف بالمحور المشرقي والمحور المغربي، فكان اتفاق العرب على عقد القمة في تونس بمثابة التجاوز الواضح لهذا الاتجاه.
أما الميزة الثانية، فهي اتفاق العرب على حد مقبول من القرارات والبيانات التي وضعت بلغة جديدة، لغة يمكن القول إنها تستعيد الكثير من الذاتية العربية في اتخاذ القرارات بعيداً عن أي إملاءات خارجية.
ويتضح ذلك في وضوح المواقف العربية المتحدة في القمة بخصوص موضوع العراق وفلسطين والعقوبات الأمريكية على سوريا، وكيف أن العبارات المستعملة في بيانات وقرارات القمة بخصوص هذه المواضيع كانت واضحة ومعبرة عن المطلوب.
كما أن اتفاق العرب لأول مرة في تاريخهم على تناول موضوع الإصلاح الداخلي دون انتظار فرضه من الخارج، يعتبر بدوره أمراً غاية في الأهمية.. فلقد أجمع العرب لأول مرة وبكل وضوح على ضرورة إدخال الإصلاحات اللازمة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتربوياً، مما يعد تأسيساً لنهضة إصلاحية عربية تنبع من الذات العربية وبإرادة عربية صرفة. وكانت مجالات الإصلاح السياسي والديمقراطي والشوروي ومسألة حقوق المرأة والشباب والإصلاح التربوي وتحريك هيئات المجتمع المدني، ومسألة العدالة الاجتماعية، كلها أمور قد تناولها العرب في قمتهم بدون عقد أو تحفظات، الأمر الذي يعكس مستوى الوعي السياسي العربي بضرورة الإصلاح والتأقلم مع الواقع العالمي وما تمليه مستجدات العولمة في هذا المجال.
ولا شك أن الإعداد الجيد لهذه القمة وما تضافر من مبادرات واقتراحات مقدمة من الكثير من الدول العربية، كلها أمور كان لها الأثر الإيجابي في إنجاح هذه القمة وتجاوز ملامح التعكر والغموض التي سادت الساحة العربية قبيل وبعد إلغاء التاريخ الأول الذي كان مقرراً للقمة.
ومن هنا، لابد لنا أن نشيد بوثيقة العهد والوفاق التي أقسم العرب لأول مرة في تاريخهم وتعاهدوا أمام الله على الوفاء بها.. وكذالك هنا لابد أن أقر بأن الفخر والاعتزاز يغمرانني بالنظر إلى الدور السعودي الذي يجعل مسألة الإصلاح في دولنا مسألة الكل حكاماً ومحكومين، الأمر الذي يترجم الوعي بواقع الأمة، وضرورة النهوض من هذا الواقع على نحو أصبح قناعة الجميع.
فهنيئاً للأسرة السعودية الكريمة وعلى رأسها مولاي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- وسيدي سمو ولي العهد، على ما وجهوا به من إرادة سياسية صادقة بضرورة الدفع بالمواضيع العربية الملحة إلى الطريق السالك لحلها وإصلاح عطبها، الأمر الذي يتجلى في وثيقة العهد والوفاق، تلك الوثيقة التي كان للسعودية الدور الرئيس في صياغتها وإخراجها إلى النور.
إن بعض المشككين في موضوع نجاح القمة يتذرعون بمستوى التمثيل لبعض الدول في القمة على أنه علامة على عزوف العرب عن التعاطي الحقيقي مع متطلبات المرحلة، لكن الأمر هو عكس ذلك فكل الدول قد مثلت بوفود مفوضة وكاملة المسؤولية، وكان الوفاق والاتفاق في القمة وفاق واتفاق دول ومؤسسات وليس اتفاق أفراد بعينهم.
ولذا فإن ما اتفق عليه العرب هذه المرة هو ملزم للجميع ومقبول من طرف الجميع، وأعذار الكل في التغيب كلها أعذار مقبولة ولا صلة لها بمحتوى المواضيع المطروحة، بل كانت في أغلبها أعذار مؤسساتية أو شخصية مقنعة لا تفسد لود وصدق التوجهات قضية.
فالأهم أن الجميع كانوا مقتنعين بضرورة اتخاذ ما اتخذ من قرارات، ولعل حصول ذلك هو خير دليل على ما قلناه.. ثم إن الجميع قد لاحظ بكل وضوح أن القادة سواء من حضر منهم ومن لم يحضر كانوا يتابعون أعمال القمة بكل عناية ويسدون توجيهاتهم الصادقة والفاعلة، مما ذلل كل العراقيل وأفضى إلى اتخاذ قرارات أجمع الكثيرون على قوتها وصوابها.
ولا شك أن الرئاسة التونسية للمؤتمر وما تحلت به من جدية ورصانة ومتابعة قد لعبت دوراً كبيراً في النجاح الذي عرفته القمة.. واليوم وقد تجاوز العرب في قمة تونس الكثير من الحواجز النفسية في التعاطي مع مستحقات الواقع العربي والعالمي فإنه بالإمكان القول إن الطريق العربية أصبحت سالكة أمام القمم المقبلة للوصول إلى مبتغيات الأمة في التوحد والتآزر والنهوض.
ولعل فتح مسألة إعادة صياغة وتعديل ميثاق الجامعة والاتفاق عليه في انتظار المصادقة على التغيرات النهائية بخصوصه في قمة الجزائر المقبلة، يظل في نظرنا حجر الزاوية في إرادة إصلاح شؤون البيت العربي في كافة مجالاته.

( * ) نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved