أشياء لا تعقل.. وتحدث في بلادنا فقط.. هل يصدق أناس في مجتمعات أخرى أن والد أو والدة الشهيد الذي يذهب ضحية عمل إرهابي تخريبي وهو يدافع عن عقيدته ووطنه يطلب أن يدفع بابنه الآخر.. أو أبنائه الآخرين.. ليدافعوا عن وطنهم ومجتمعهم.. هذه لحظات حقيقية ومشاعد صادقة سمعناها وشاهدناها تخرج من أفواه ذوي أسر شهداء الواجب والوطن.. إن الزيارات التي يقوم بها الأمير نايف بن عبدالعزيز.. أو يقوم بها نائبه الأمير أحمد بن عبدالعزيز.. أو يقوم بها مساعده الأمير محمد بن نايف.. أو يقوم بها أمراء المناطق.. كلها تعكس مشهداً واحداً يتكرر من جازان إلى القريات.. ومن الدمام إلى جدة..إلى غيرها من مدننا وهذا المشهد ينعكس في مسألتين، أولاهما.. أن هذه الأسرة فخورة بتقديم ابنها أو أخيها.. فداءً لهذا الوطن الغالي.. وثانيهما.. أن هذه الأسرة على استعداد لتقديم ابنها الآخر.. أو أبنائها الآخرين للتضحية في سبيل فداء هذا الوطن والدفاع عن عقيدته.. وهذا المشهد لا نجده في مجتمعات أخرى.. ومشهد آخر يتكرر على هامش الأحداث الإرهابية.. أو لنقل في جوهر الأحداث الإرهابية.. زيارات متكررة من قبل رؤوس القيادة السياسية والأمنية لأسر هؤلاء الضحايا الذين فدوا وطنهم وعقيدتهم بالنفس، التي هي أغلى ما يملكه الإنسان.
وهذه الزيارات لأسر الشهداء أو للمصابين تعكس روح التلاحم بين القيادة والشعب، والتعاضد بين أبناء الوطن الواحد.. وعلاقات الأبوة والأخوة تنعكس في أصدق حالاتها لدى زيارات المسؤولين للمواطنين في منازلهم.. أو للقاءات المواطنين بقيادتهم الوطنية في مجالسهم.. حديث مباشر.. وتعبيرات صادقة.. وروح وطنية مخلصة..
ومشهد ثالث.. يتكرر من أبناء الواجب وجنود الحق.. فهاهم دائماً في مقدمة الأحداث، يضعون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع عناصر الغدر والإرهاب، يقفون أمام الحقد الأسود، والشر المستطير.. لنظل نحن مواطني ومقيمي هذه البلاد آمنين بإذن الله تعالى، سالمين في منازلنا وأعمالنا ومع أسرنا وأطفالنا.. ومن يتابع المشاهد التي تعكس روح الإباء والتضحية لدى هؤلاء الجنود الأمنيين بجميع رتبهم العسكرية وقطاعاتهم الأمنية.. يجد أنهم على أتم الاستعداد في كل لحظة للدفاع عن وطنهم وعقيدتهم..وهل هناك مشهد أكثر تعبيراً من مشهد أحد المصابين في قوة الواجب بجدة وهو يقبل بدلته العسكرية عند استقباله الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة.. ويعتز بهذه البدلة التى أهلته للدفاع عن عقيدته ووطنه.. وهيأت له فرصة المشاركة في مقاومة الإرهاب.. هذا مشهد يستحق أن يكون عنواناً رئيساً( مانشتاً كبيراً) في إعلامنا، فهو يعكس قوة حقيقة صادقة ومخلصة لأخواننا وأبنائنا منسوبي الأجهزة الأمنية.. فهل يحدث مثل هذا التعبير الصادق العفوي عن حب الوطن والدفاع عن أبنائه بهذه الرمزية المتقدمة.
ومشهد رابع من داخل جوامعنا ومساجدنا في لحظة الصفاء الروحي والنقاء الغيماني، عندما تدعو جموع المصلين في كل جامع في كل يوم وفي كل أيام الجمع على أن يجنب الله بلادنا وأمتنا شرور أعدائنا، وشرور الفئة الضالة والمنحرفة، وأن يحفظ لبلادنا أمنها واستقرارها.. هذه الأيادي الطاهرة التي تمتد إلى الله سبحانه وتعالى في ساعات مباركة وبقلوب مخلصة تدعو أن يحفظ لبلادنا قيمها الدينية ومقدراتها الوطنية.. وتدرك هذه القلوب والأيادي أن بلادنا مستهدفة من قبل أعداء الأمة لزرع البلبلة وإشاعة الفوضى.. ولهذا فالتصدي لهذه الفئة يأتي من كل المسلمين وكل الطاهرين بالدعاء والصلاة.. فهذا مشهد إيماني لا يوجد في أي مكان في العالم والحمد لله تعالى.
وأخيراً، فماذا عسانا نعمل لهولاء الذين ضحوا بأنفسهم وأبنائهم وإخوانهم في سبيل القيم التي هي أساس وقاعدة هذه البلاد، التي هي المرتكز الأساس الذي نقف عليه ومن أجله ولأجله وللحاضر والمستقبل.. وقد قدرت الدولة ممثلة في أجهزتها المختلفة هذه التضحية بالنفس، وتبنت أبناء وأسر الشهداء، ودعمت وساندت كل الجنود الساهرين على حدودنا ومدننا وقرانا وبيوتنا وطرقنا وممتلكاتنا وأعراضنا.. وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى وحرص ولي الأمر في أن يحتضن كل من يشارك في خدمة هذه البلاد.. وفي هذا السياق، أعرض هنا اقتراحاً أن يتم تسمية إحدى الجمع القادمة بجمعة الشهداء، يتم فيها الصلاة على الميت الغائب لكل شهدائنا في هذه الحرب التي نخوضها ويخوضها هولاء الجنود ضد الإرهاب.. وأن تكون الصلاة في الحرمين الشريفين، وفي باقي الجوامع في مناطق المملكة.. وندعو لهم بالرحمة والغفران وأن يتقبلهم الله من الشهداء في فسيح جناته.
والله الموفق...
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|