Friday 28th May,200411565العددالجمعة 9 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

بين تخبيب الشعوب وتخبيب الأزواج بين تخبيب الشعوب وتخبيب الأزواج

لقد سررت كثيراً - كما سر غيري - بما أتحفتنا به جريدة (الجزيرة) المتألقة عبر ملحقها الإسلامي المتجدد (آفاق إسلامية) من فتح ملف: سلوكيات يرفضها الإسلام، الذي تناول فيه أصحاب الفضيلة عبر حلقاته المتتابعات سلوكيات سيئة، نخرت في جسد البناء الاجتماعي، مبينين خطرها، وضررها، ومخالفتها للشرع الحنيف، والخلق الكريم.
وكان موضوع الحلقة الثانية عشرة حول التخبيب، وأثره الخطير في تخريب البيوت العامرة وإفساد النفوس الطاهرة، وقطع حبال الصلة الممدودة، فتصرمت بسببهم صلات، ووقعت لتدخلاتهم خلافات أسرية بين الأزواج وزوجاتهم، والآباء وأولادهم، والإخوان وإخوانهم، وأرباب العمل وشركائهم... الخ.
ولئن كان ضرر التخبيب بين هذه الفئات محصوراً فيهم، ويمكن معالجته، فإن أخطر أنواع التخبيب نوعان يحتاجان منا جميعاً إلى التأمل فيهما، والحذر من آثارهما المدمرة التي لو سكت عنها لم يسلم من شرها وضررها أحد، بل رأينا شيئاً من شكلها القبيح المتمثل في التفجيرات الإجرامية التي استهدفت مجمعات سكنية، وإدارات حكومية، زعم منفذوها أنهم يرومون بفعلتهم الشنيعة الإصلاح، وهم - والله - يمارسون عين الإفساد في أقذر فعل، وأخس صورة.
والنوع الأول من التخبيب، هو إفساد الناس على ولاة الأمر، وشحن النفوس ضدهم، وحقن الصدور بمشاعر الكره، والبغض لهم، بأنواع من الحيل، والأساليب، والتعليلات التي لا يسلم بأكثرها، ولا تقبل طريقة المعالجة في باقيها.
والمخببون على ولاة الأمر صنفان: صنف لا يقصدون التخبيب ولا يشك في صحة قصدهم وسلامة توجههم، وأنهم يريدون الإصلاح، ولكن المأخذ عليهم هو في الأسلوب، والآلية، وضعف النظر في المصالح والمفاسد، وعدم مراعاة فهوم الناس، وتفاوت قدراتهم العقلية والنفسية، واختلاف توجهاتهم ومستوياتهم العلمية، وفي الحديث الصحيح: (ما أنت بمحدث قوماً لا تبلغه عقولهم إلا صار لبعضهم فتنة)، وفي الأثر (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله).. فربما قال الإنسان كلاماً أو خطبة أو درساً أو محاضرة أو مداخلة أو مقالة قد تكون في نفسها صحيحة لكن المشكلة في سامعها، أو قارئها، إذ يوجد منهم من سيحملها على غير وجهها، وسيفهمها على غير مراد قارئها، وهذا لا يعفي القائل من تبعتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث معاذ بن جبل بحديث، قال: ألا أبشر الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (لا حتى لا يتكلوا) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً أي خشية إثم كتم العلم، بل قد يسمعها أو يقرؤها صاحب هوى، ومشعل فتنة، فتكون عوناً له على باطله، وسلاحاً في يده يغوي به غيره، أو تكون هي المبرر الذي يبحث عنه لتنفيذ ما هو متردد فيه.. بل سيستفيد منها المنافقون، وأعداء الدين الذين يريدون إيجاد الحواجز النفسية والحسية بين الصالحين وبين ولاة الأمر، من خلال اتهامهم بأنهم دعاة فتنة، وأنهم يؤلبون العامة على ولاة الأمر من أجل تحقيق حظوظ شخصية، ويتخذون الدين مطية لذلك، فيقتاتون على أخطاء الصالحين.
وكم رأينا مقالات وبرامج وأفلاماً تصور أهل الإيمان بأبشع صورة، مستغلين الهفوات والأخطاء، وقد أصبح من السهولة بمكان التزيي بزي الصالحين، ممن ليس منهم، للقيام بأدوار مدروسة للتشويه، وتزييف الحقائق، وذلك بسبب أخطائنا، وتجاوزات بعضنا، وانفلات أعصاب البعض عند رؤية بعض المخالفات، أو المنكرات، مما كانت له آثار سلبية على العمل الدعوي، مما يوجب علينا إعادة النظر في كثير من طرائقنا، وأساليبنا، وآليات عملنا، وأن نقطع الطريق على كل متربص بنا، وبديننا، وبلادنا، وولاة أمرنا، وعلمائنا سوءاً، وأن يعي الشباب أهمية الاتصال بالعلماء والصدور عن آرائهم، وتوجيهاتهم، وعدم مخالفتهم، ووجوب الصبر، وكبح جماح العواطف، ولزوم الرفق اللين، وعدم اليأس أو الانفلات العصبي.الصنف الثاني من المخببين: أعداء حقيقيون قد يعلنون عدواتهم، وقد يسرون بها، وهؤلاء تمتلىء بهم القنوات الفضائية، والإذاعات، والصحف والمجلات غير المحلية، يضللون، ويزيفون، ويتجنون ويخدعون مقابل أجور، وتسهيلات يحصلون عليها من عدو الإسلام والمسلمين الأكبر، ومن أعداء هذه البلاد من دول لا تخفى، وهم يصوغون برامجهم، وأخبارهم، وتعليقاتهم، وكتاباتهم في قوالب خاصة، فيها من الجاذبية، والإثارة، والتهويل، ودغدغة العواطف، ما يغري بمتابعتها، بل والتسليم بصحتها والتفاعل معها، وقد يظهر في برامجهم، وقنواتهم من أبناء هذه البلاد بما يعينهم على تحقيق أهدافهم الخبيثة.
وهم حين يقومون بذلك، لايرومون مصلحة البلاد، ولا رفاهية المجتمع، ولا تحقيق العدل ولكن يريدون زعزعة أمنه، وتفكيك وحدته، وإثارة النعرات القبلية، أو المذهبية، أو العرقية، أو الحزبية، حسداً من عند أنفسهم، وما حصل في العراق أقرب الشواهد وأوضحها، فهل نعي ذلك، ونصم آذاننا، ونعود إلى أنفسنا نشتغل بتطوير قدراتنا الذاتية، والارتقاء بمهاراتنا، والتنافس في كل ما يعين على تقدم بلادنا، وتقوية الروابط الاجتماعية بين أفراده، ولنستحضر مشاهد البيوت في العراق وهي تتعرض لمداهمة قوات الاحتلال، واقتحام خصوصيتها بحجة التفتيش عن الأسلحة، أو أفراد المقاومة العراقية، صور النساء والأطفال والشيوخ وهم يعيشون الرعب والقهر في أنفسهم، فإن لم نكن يداً واحدة، وصفاً واحداً، وندين بالسمع والطاعة لولي الأمر، ونبتعد عما يوهن الوحدة، إن لم نفعل ذلك فإننا نخشى أن يصيبنا ما حل بغيرنا، نسأل الله اللطف والسلامة والعافية.
أما النوع الثاني من التخبيب: فهو العمل من البعض على التقليل من شأن العلماء، والحط من أقدارهم، والتشكيك في علميتهم، بل ومقاصدهم، واتهامهم بأنهم علماء دنيا، أو لا يفقهون الواقع، أو لا يملكون الشجاعة الكافية للوقوف في وجه المنكرات، تطرح مثل هذه بصور متعددة مباشرة وغير مباشرة، حتى من بعض من لا حظ لهم في العلم لا من قريب ولا من بعيد، بل ربما صار الحديث في العلماء فاكهة بعض المجالس للأسف الشديد، من لم يعجبه شيء تراه يتسخط ويسب ويستهزىء.
والغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي نسمع فيه مثل هذا الكلام من بعض الصالحين، نسمع على الطرف الآخر من بعض ذوي التوجهات الليبرالية، والمبتدعة القدح في علمائنا من زاوية أخرى بأنهم يقفون حجر عثرة في وجه التقدم والإصلاح، أو أنهم متشددون متنطعون يكفرون مخالفيهم، وكل يتكلم عليهم وفق مشربه وأهوائه، ولكن الحق الذي لا مرية فيه أن علماءنا - ولله الحمد والمنة - هم صفوة علماء الإسلام في هذا الزمان، يشهد بذلك المخالفون قبل الموافقين، والبعيدون قبل القريبين، وفيهم من الورع، والتقوى، وصحة النظر، وبعد الرؤية، ومراعاة المصالح والمفاسد، والرسوخ في العلم، ما هو محل اغتباط كل منصف، ولكن علماءنا لا يصدرون في آرائهم وفتاويهم عن هوى، أو عواطف ملتهبة لا تنظر إلى مآلات الأمور، إنما يصدرون عن علم، ودليل، وعقل، وحكمة، لا تتقلب آراؤهم، وأحكامهم، وإجاباتهم مع تقلب القلوب والأمزجة، ولكنها تدور مع الدليل، والمصلحة، والسياسة الشرعية حيث دارت.. ووالله إنهم لهم الرجال، وهم العلماء، وهم الأتقياء الركع السجود، وهم بقية السلف، وصفوة الخلق، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وما الحط من أقدارهم، وتجرؤ السفهاء عليهم، إلا حلقة من حلقات الكيد لهذا الدين، والحرب على هذه البلاد المباركة، التي قامت على القرآن والسنة، وفق ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة - رضوان الله عليهم -، والتابعون وأئمة الدين المعتبرون.. والعلماء إنما يستمدون قوتهم بعد الله - جل وعلا -، وحسن الصلة به من رسوخهم في العلم، ثم من التفاف الناس حولهم، وصدورهم عن آرائهم، فإذا خلت القلوب من محبتهم، وتوقيرهم، واحترامهم، وإجلالهم، فهل يمكن أن يكون لهم أثر، أو يقبل لهم رأي؟.. وهذا ما يتمناه أعداء الدين، وأعداء السنة من أهل البدع والأهواء، والمذاهب الفكرية والعقدية المنحرفة، فهل نحن منتبهون؟.. وإن ما يحصل الآن من فتن وقلاقل، هو نتيجة لتخبيب الناس على العلماء، وولاة الأمر.
وها هم أعداء الإسلام الآن بخطى حثيثة يسابقون الزمن في العمل على تشويه صورة الإسلام في عقول المسلمين أنفسهم، خاصة منهج السلف الذي تقوم عليه هذه البلاد، ويعملون على إيجاد نظم وقوانين، بل وكتاب بديل للقرآن الكريم، وهم يعدون العدة لتغيير النظم والقادة والعلماء، الذين يرون أنهم عقبة في تنفيذ مخططاتهم، وتقديم جيل جديد من القادة والعلماء يسيرون مع الموجة، ويركعون للمحتل.. وإن من الحماقة أن نتجاهل ذلك، ومن الإثم المبين، والخطيئة الكبرى أن لا نؤكد على ثقتنا في ولاة أمرنا وعلمائنا، أو أن نصر على العمل بأساليب أثبتت قصورها، وآليات بان نقصها، بل فشلها.
وهذه الحوادث المتلاحقة، والتفجيرات المتسلسلة، ما هي إلا خدمة كبرى، ومجانية للعدو المحتل، شئنا أم أبينا، علمنا أم جهلنا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والحمد لله رب العالمين.

عبدالله بن محمد بن غميجان - الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved