Friday 28th May,200411565العددالجمعة 9 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

ورحل رفيق دربي..! ورحل رفيق دربي..!
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف / أحد زملائه /حريملاء: 26-3-1425هـ



الدهر لاءم بين ألفتنا
وكذلك فرق بينا الدهر

في صباح يوم الجمعة 25-3-1425هـ فجعت أسرة الخراشي برحيل زميلي ورفيق عمري الأستاذ الحبيب عبدالعزيز بن عبدالله الخراشي إلى الدار الباقية بعد طول معاناة مع أمراض عدة.. ولقد اتصف بالاستقامة والإخلاص في العمل، ونقاء السّريرة، وطيب القلب، وكان لنبأ وفاته وفراقه وقع مؤلم جداً هزّ كيان نفسي، فكان الأرض تدور بي من شدة وطأة الخبر برحيله وبعده عنا بعداً لا تلاقيا بعده..!، وذلك لعلو مكانته في قلبي، وتغلغل ودّه في شعاب نفسي، كيف لا وقد قضينا معاً زهرة شبابنا وذروة نشاطنا متآلفين ومتحابين في جو يسوده الصفاء والألفة في اقتناص العلوم، وفي استذكار دروسنا منذ تلقي العلم على يد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وعلى أخيه الشيخ عبداللطيف قبيل افتتاح المعاهد العلمية - رحمهما الله جميعاً-، واستمررنا على ذلك المنوال بعد افتتاح المعهد عام 1371هـ حتى نلنا الشهادة العالية من كلية اللغة العربية عام 1378هـ - الدفعة الثانية، وكنا نقضي الساعات الطويلة ما بين الجامع الكبير جامع الإمام تركي، وبين مسجد بشارع العطايف في المذاكرة والنقاش فيما يصعب علينا فهمه..، وكان خير معين لي - رحمه الله - وإذا سئمنا ذهبنا معاً إلى منزله لتناول القهوة والشاي، وما تيسر من طعام (تصبيرة الليل)..، ثم نعاود الكرة مرة ثانية، وخاصة أيام العطل والاختبارات، وفي كل صباح تلك الفترة يمر عليّ لنذهب سوياً إلى أقرب مسجد للتدارس في سائر المواد الدراسية، ويتخلل تلك السويعات التي لا تنسى بعض تبادل النكات والطرائف لتجديد نشاطنا ولدفع الملل والسآمة، وهكذا نقضي سحابة يومنا ومسائنا بكل جد ونشاط مستمر، والطريف في الأمر إن ترتيبنا في الشهادة النهائية سواء..!، وكنت أثناء الحصص داخل الفصل بعد خروج المدرس أقفل الباب وأحاول أن أداعب الزملاء ببعض الحركات الخفيفة للاستئناس وإظهار المرح تنشيطاً للأذهان قائلاً: هل من مبارز؟ هل من مصارع؟ وإذا لحظته - رحمه الله - يحاول النهوض نحوي لقمع حركاتي قلت: باستثناء الخراشي فيهدأ الفصل..! وبعد تخرجه عين مفتشاً في المرحلة المتوسطة والابتدائية في وزارة المعارف.. مع تكليفه سنوياً برئاسة الكنترول ولجان الاختبارات بمعاهد المعلمين - آنذاك -، وكان جاداً في عمله لا يسأم طوال مكثه فيه مع ما يتحلى به من خلق كريم ورحابة صدر.. كما لا ينسى التاريخ ولا طلاب أول مدرسة ليلة بالرياض تفانيه وتطوعه بالعمل قبل تخرجه، ومشاركته في تأسيسها الواقعة في غرب محلة دخنة - مقر المدرسة المحمدية النهارية - هو ونخبة طيبة من المتطوعين بالتدريس وهم ما زالوا طلاباً أمثال الزملاء محمد بن علي بن خميس، ومحمد بن سعد بن حسين البصير الذي لا يبصر، ومحمد بن سعود بن دغيثر - رحمه الله - وعبدالرحمن بن عبدالله الخراشي، وعبدالمحسن العباد، وحمود البدر، وعبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف كاتب هذه الأسطر، ومحمد بن عبدالله بن حميّد، وعلي بن حمد الفريح، وغيرهم من الزملاء الأفاضل، وقد نورت تلك المدارس الليلة المباركة مئات الأشخاص على اختلاف مستوياتهم وتفاوت أعمارهم، وخاصة أصحاب محلات البيع والشراء في وسط مدينة الرياض وما حولها من المحلات حتى إن كثيراً منهم قد نال مناصب عالية في الدولة، ورجال أعمال برزوا في الحياة التجارية بسبب تأسيسهم وتهيئتهم لمواصلة الدراسة النهائية أو الانتساب، وكل عمل هؤلاء تعاون وتطوع بدون مكافآت، وإنما رجاء المثوبة من المولى، وكسب الثناء والذكر الحسن.


دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
فاحفظ لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثان

وعلى أي حال فإن فراق أبي سعود محزن جداً وستبقى ذكرياتي معه باقية في طوايا نفسي مدى العمر.


فلا جزع إن فرق الدهر بيننا
فكل امرئ يوماً به الدهر فاجع

ومما زاد حزني وألم نفسي عند زيارتي له الأخيرة بالمستشفى الجامعي وهو في حالة حرجة، وقد حاولت إدخال السرور عليه مداعباً مداعبة خفيفة مذكراً له ليالينا وأيامنا الجميلة التي مضت ولن تؤوب أبداً، وما يتخللها من مسامرات ورحلات ممتعة تقادم عهدها، فلحظني بعينيه وهو يومئ برأسه وعيناه مغرورقتان بالدموع، وبداخله ما به من تحسر وتألم، وكأنه يقول ليس لديَّ الآن متسع من الوقت في استذكار ذلك ولسان حاله يرد بهذا البيت المحزن:


لك الله لا توقظ الذكريات
وخلّ الأسى في الحنايا دفينا!

ولك أن تتصور حالي في تلك اللحظات المشحونة بالحزن لحظة دنو رحيله من الدنيا وفراقه الأبدي:


يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي
إلا الأسى في حنايا القلب يستعر

والعزاء في ذلك كله إنه ترك أثراً طيباً وذرية صالحة بنين وبنات تدعو له وتجدد ذكره الحسن.. غفر الله لك أبا سعود وأسكنك فسيح جناته، وألهم أبناءك وإخوتك وأم سعود، ومحبيك الصبر والسلوان.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved