في الولايات المتحدة أحاديث كثيرة عن هجمات إرهابية مرتقبة، قد تكون أفظع من إرهاب 11 سبتمبر على حد تعبير المسؤولين الأمريكيين، غير أن الرسالة الحكومية بهذا الصدد لا تحدث نفس الأثر لدى الجميع، فهناك بين الأمريكيين من ينظر إلى هذه التحذيرات وكأنها تحاول صرف الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي يتعين على إدارتهم مواجهتها لكنها تبدو عاجزة امامها، أو أنها ببساطة توفر فرصة لجورج بوش لاستغلال مخاوف شعبه في أغراض انتخابية.
غير ان الادارة الامريكية التي واجهت الانتقادات لفشلها في التعامل بالطريقة الصحيحة مع التحذيرات التي سبقت اعتداءات سبتمبر ترى انه يتوجب عليها ألا تكرر نفس الاخطاء، ومع ذلك فإن البعض من بين المسؤولين الامريكيين من يغالي في التحذير ربما لذات الأسباب التي ذكرناها، أو ربما من خلال استغلال عنوان مكافحة الارهاب لتصفية حسابات أخرى، خصوصا عندما يتعرض كامل مفهوم الارهاب لتفسيرات قسرية تطول أحياناً عمليات المقاومة المشروعة لتعتبرها ضرباً من الارهاب، كما هو الحال في النظرة الامريكية للمنظمات الفلسطينية والتي تتطابق مع النظرة الاسرائيلية.
ووفقاً لهذا المفهوم فإن الحرب الامريكية قد تقضي على الجميع مناضلين وارهابيين في ذات الوقت، مع تعمد استهداف الجهات التي لا تتفق سياساتها مع السياسات الأمريكية، أو لا تتفق مع سياسات حليف اثير مثل إسرائيل، وهو حليف لا تملك واشنطن الا ارضاءه، ولو تطلب الامر الخروج على المفاهيم وقواعد السلوك الدولية.. غير ان الامر لا يقتصر على السياسات الدولية، فيما يتصل بالتفاسير الأمريكية لما هو ارهابي وما هو غير ذلك، ففي داخل الولايات المتحدة بات يتعين على الامريكيين التوافق مع المعايير الجديدة في اطار الحرب على الارهاب بما في ذلك تجاهل الحقوق القانونية فيما يتصل بالاعتقالات أو الاحتجاز بدون تهمة، ويعاني من الاجراءات الجديدة بصفة خاصة المسلمون والعرب.
وفي المعتقلات الامريكية من غوانتانامو الى العراق يتم تطبيق التجاوزات الأمريكية والاحتجاز بدون تهمة بل والانزلاق إلى درك سحيق في معاملة السجناء، فالسجانون من الرتب الصغيرة الذين يرون انفلاتاً في الإجراءات القانونية التي ترمي إلى إيديهم بأشخاص أبرياء لا توجد مسوغات قانونية لاحتجازهم، لا يتورعون في ممارسة كل ما يحلو لهم مع هؤلاء، خصوصاً مع انعدام معايير محددة في التعامل معهم، وخصوصاً إذا كانت هناك شبهة إرهاب.. ويفيد كثيراً أن يتواضع المجتمع الدولي على مفاهيم محددة للارهاب، فذلك يعين كثيراً في الحرب الدولية ضد الارهاب، ومثل هذا التوافق يحصر الارهابيين الحقيقيين في دائرة محددة ما يسهل استهدافهم بدلاً من ضياع الجهود وتشتتها وأخذ الابرياء بجريرة الجناة.
|