الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً، وجعله دين يسر وسماحة {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج (78) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
إن هذا الدين الذي جاء به نبينا من عند الله هو دين الرحمة والخير والسعادة للبشرية فلم يطرقُ العالمَ دينٌ أكمل ولا أشمل ولا أسهل من هذا الدين الحنيف. الدين الذي أوصانا الله أن نتمسك به إلى الممات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران
فالإسلام بمعناه العام يتناول كل شريعة بعث الله بها نبياً ولفظ المسلمين يتناول كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء قبل بعثة خاتم النبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فببعثته توحدت الديانة السماوية وشملت رسالته كل العالمين الجن والإنس وامتدت إلى آخر الدنيا لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة وأوجب الله على جميع الخلق اتباعه وطاعته: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران ورفع به الآصار والأغلال عمن آمن به واتبعه.
فشرائع الإسلام كلها يسر {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (185) سورة البقرة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (78) سورة الحج. {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (286) سورة البقرة. {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (16) سورة التغابن. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفة السمحة) وقد راعى الله سبحانه في هذا الدين العظيم أحوال عباده رحمة بهم وتخفيفاً عليهم فشرع لكل حالة ما يتناسب معها فرخص للمسافر بالإفطار في نهار رمضان والقضاء من أيام أخر يكون صيامها أسهل عليه، ورخص له بقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين وأباح له الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما.
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة لسماحة الإسلام، ولأجل ذلك حرم الله الغلو في الدين لأنه يتنافى مع سماحة الإسلام ويسره فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن أن يشق الإنسان على نفسه في العبادة، وحث على الاقتصاد فيها. فروى الإمام مسلم بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هلك المتنطعون) - أي المتشددون - وروى البخاري رحمه الله: أن ثلاثة رهط جاءوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها. فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الآخر: أنا أصوم النهار ولا أفطر. وقال الآخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما والله اني لأخشاكم الله واتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، واتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) وهكذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسط بين الإفراط والتفريط. لا غلو ولا تساهل. بل مداومة على فعل الخير من غير تحامل على النفس بما يشق عليها.
وما حدث في بلادنا من أحداث مؤسفة منذ فترة قريبة من قيام بعض من ضلت عقولهم وفسدت أفكارهم بقتل وترويع الآمنين من مسلمين وذميين وتفجير أماكن سكنهم ونومهم عليهم هو من الغلو المذموم بسبب نقص علمهم وعدم اتباع منهج السلف الصحيح الذي تسير عليه هذه البلاد الطاهرة حماها الله من كل سوء وإلا فمن ذا الذي أباح لهم قتل هؤلاء المسلمين والذميين ومن ذا الذي أباح لهم تفجير أنفسهم وانتحارهم، وأنفسهم ليست ملكاً لهم وإنما هي ملك لله تعالى وحده فقتل أنفسهم داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء من الدنيا عذب به يوم القيامة) أخرجه أبو عوانة في مستخرجه من حديث ثابت بن الضحاك وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا). وهو في صحيح البخاري بنحوه.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من خرج على أمتي يقتل برها وفاجرها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه) رواه مسلم.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعز الإسلام والمسلمين وتذل الشرك والمشركين وتنصر عبادك الموحدين اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين اللهم احفظ إمامنا ولي أمرنا واخوانه وأعوانه بحفظك وأكلأهم برعايتك وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير اللهم من أراد بلادنا بإرهاب أو قلاقل أو محن فرد كيده إلى نحره واكشف أمره يا حي يا قيوم،
( * ) إمام وخطيب جامع الفيصلية بجامعة الأفلاج |