Friday 28th May,200411565العددالجمعة 9 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

رياض الفكر رياض الفكر
النوم يخلصك من مشاكلك ويقوي ذاكرتك
سلمان بن محمد العُمري

مع قدوم فصل الصيف يكثر السهر إلى ساعات متأخرة من الليل وربما وصل الأمر إلى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وغالباً ما تستهلك ساعات الليل في التسوق أو الزيارات العائلية والأسرية أو التنزه، وهذه غالباً لا تطول لكن المشكلة في سهرات الشلة والمقاهي، وجلسات البلوت، وتجمعات الشوارع، حيث إن حر النهار في بلادنا لا يسمح بالقيام بهذه الأمور قبل حلول المساء.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه وتطرحه حالة هؤلاء الساهرين عندما يأتون إلى أعمالهم في الصباح وقد أرهقهم السهر.. وربما لا يأتون أصلاً.. أو يأتون متأخرين في أحسن الأحوال، هل يستطيع هؤلاء الساهرون القيام بأعمالهم على الوجه المطلوب؟ هل يمكن أن ينجزوا أو يخدموا وطنهم وأمتهم ومجتمعهم؟.
الإجابة معروفة وقديمة علمنا إياها ديننا الحنيف بمنهجه الرباني الصالح لكل زمان ومكان، الذي جعل الليل لباساً للنوم والراحة والسكينة، وجعل النهار معاشاً للعمل والنشاط.. وهي إجابة أدركها أجدادنا وآباؤنا على الرغم من جهل كثير منهم بالقراءة والكتابة أدركوها بالتطبيق الصحيح للتدين والجد في العمل، ووصلوا إلى قناعة تامة بأن في البكور كل خير وبركة عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بورك لأمتي في بكورها)، ولأن الإسلام قرن العلم بالعمل، كان سلفنا الصالح يحرصون على النوم مبكراً والاستيقاظ مبكراً ويؤدون أعمالهم قبل أن تشتد حرارة الشمس ويستريحون من بعد صلاة الظهر في بيوتهم حتى تنكسر حدة الشمس الحارقة، فيكملون ما تبقى من عمل الصباح، أو يتزاورون ويتسامرون حتى العشاء قبل أن يخلدوا للنوم.
إلا أننا اليوم نسير في الاتجاه المعاكس، نسهر طوال الليل حتى الصباح، وندخل إلى النوم في الوقت الذي تستيقظ فيه الدنيا بأسرها (خالفنا الفطرة ومبادئ ديننا)، فعجزنا عن العمل وأصابتنا أمراض الجسم والنفس، في حين أن غيرنا من الدول الأخرى في أوروبا وغيرها، أخذوا مبادئ الإسلام صورياً وطبقوها لخير حياتهم فنجدهم يستيقظون مبكراً على الرغم من برودة أجواء بلادهم، إلى حد التجمد، ويؤدون أعمالهم بكل همة ونشاط، ويتوقفون عن العمل ما بين الساعة الخامسة والسادسة مساء رغم أن الشمس عندهم لا تغيب إلا بعد ذلك، وفي الليل ينامون ثماني ساعات على الأقل.. ونحن أولى باتباع ذلك البرنامج اليومي في النوم المبكر والاستيقاظ المبكر، من باب اتباع ما جاء به ديننا، وبما يتناسب مع حرارة الجو في بلادنا، لكننا للأسف لا نفعل ذلك! والمشكلة أننا نرى من يلقي باللائمة على ديننا وتعاليمه بدلاً من أن يلقيها على سلوكياتنا المختلفة التي نهانا عنها الدين الحنيف.
ويبقى التساؤل: لماذا لا نبدأ أعمالنا في المؤسسات والهيئات والدوائر الحكومية والمدارس والجامعات وغيرها من بعد صلاة الفجر حيث تكون درجات الحرارة ألطف، والذهن أكثر صفاء، وتنتهي ساعات الدوام في الحادية عشرة أو الثانية عشرة، وتكون قيلولتنا بعد صلاة الظهر وحتى العصر، ونمارس العمل المسائي لساعات قليلة بعد صلاة العصر إلى المغرب وبعد صلاة المغرب يكون اجتماع الأسرة للعشاء بعد صلاة العشاء الخلود للنوم فلا تبقى هناك أعمال بعد هذا الوقت إلا لضرورة ترتبط بطبيعة عمل بعض الجهات؟
أعترفُ وأنا أقدمُ هذا الاقتراح أنني لم أكن أعلم شيئاً عن الدراسات العلمية والطبية المتخصصة التي تحدث عن أهمية النوم المبكر والاستيقاظ المبكر، لكنها التجربة والقناعة التامة بأن ديننا هو دين الفطرة السوية، فصاحبكم ليس خبيراً في علوم الطب والأعصاب، أو متابعاً لما يجد فيهما، لكن حدث أن اطلعت وبالصدفة البحتة عن دراستين تفسران كيف أن النوم ضرورة للإبداع والتفوق، الدراسة الأولى أجراها باحثون أمريكيون بجامعة شيكاغو على عدد من المتطوعين، وتوصلوا إلى عدة نتائج منها أن الإنسان الذي يأخذ كفايته من النوم ليلاً أقوى ذاكرة ولا ينسى ما يتعلمه في أثناء النهار بل إن الباحثين الأمريكيين يؤكدون أن النوم ليلاً أفضل وسيلة لتعلم لغة أجنبية أو أية مهارات فكرية يراد تعلمها بالدراسة.
كما أن النوم يحسن قدرات الإنسان الإبداعية والابتكارية أما الدراسة الثانية فتوصل خلالها باحثون من جامعة لوبيك الألمانية إلى أن النوم الجيد هو سر تفجر الطاقات العقلية والتفكير الإبداعي والقدرة على حل الرموز والمعادلات الصعبة، وأن النوم - تلك النعمة الإلهية - لها قوة غريبة ومدهشة في إعادة برمجة الدماغ وشحذه.
ولأنني لست خبيراً بتركيب المخ، اندهشت مما جاء في نتائج الدراسة من أن النوم يمثل عملية تعلم وتدريب إبداعية، وإن كان لم يتضح بعد أي المراكز في المخ التي تستفيد من النوم، لكن يعتقد أن منطقة المخ المعروفة باسم (تحت المهاد) تؤدي دوراً أساسياً في إعادة برمجة أي مشكلة تواجه الإنسان وتبدأ في معالجتها في أثناء نومه.
الأكثر غرابة أن باحثين أمريكيين توصلوا إلى أن القيلولة النهارية لها نفس فاعلية النوم الليلي وجودته في تعلم المهارات والوظائف الإدراكية والاستيعابية وعندما بدأت أخمن ما هو الجهد المبذول والتكاليف الضخمة لهذه الدراسات لإثبات فوائد النوم وتفسيرها فرحت لأنني أدركت مدى إعجاز ديننا وشريعتنا وفرحت مرة أخرى لأن آباءنا وأجدادنا سبقوا علماء الغرب في معرفة هذه النتائج لكن تلاشت الفرحة عندما رأيت حالنا، وكثير منا لا يقوى على الاستيقاظ من نومه.. لأنه استهلك طاقته ووقته في السهر.. ومخالفة النظام الكوني الذي أبدعه الخالق في خلقه.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved