منذ أن خلق الله الإنسان وهو يسعى بقدر ما لديه من قدرة جسدية وفكرية في البحث عن سبل التطور في مناحي الحياة المختلفة من اقتصاد واجتماع وسياسة وفلسفة، واهتدى إلى التعرف على الاحتراق بمحض الصدفة نتيجة للاحتكاك بين حجرين أو من خلال الصواعق، كما تحول من حياة الرعي والترحال إلى حياة الزراعة والاستقرار وظل كذلك ردحاً من الزمن لم يكن قادراً على إيجاد تطورات جوهرية في أسلوب حياته المعيشية رغم وجود جميع القوانين الطبيعية التي أوجدها الله تعالى في هذا الكون، والتي ظلت سائدة حتى وقتنا الحاضر دون زيادة أو نقصان وأخذ يكون مستعمرات بشرية بسيطة كانت نماذج لتجمعات سكانية كونت فيما بعد مجتمعات متناسقة فيما بينها في الحصول على المأكل والمشرب والمأوى والسلطة.
وظل كذلك عبر ملايين السنين رغم توفر نواميس الطبيعة الثابتة إلى أن اهتدى وفي زمن قياسي قد لا يتجاوز مائة عام للوصول إلى نقلة نوعية خارقة وذلك باستخدام تلك النواميس في التصنيع والعلاج والحمل والنقل وسواها، وهو بحق يعتبر جيلاً مبدعاً يختلف عن سواه.
لقد استطاع جيل أو جيلان أن يستفيد من نواميس الحياة التي سبق التعرف على بعض قوانينها من جاذبية وتحويل للطاقة واستخدام أمثل للمواد الأولية وغيرها في توفير أكبر عدد ممكن من الأجهزة والمعدات التي يمكن للإنسان الاستفادة منها في تسيير أمور حياته، كما أنه استفاد من نواميس الحياة في التعرف على التركيب الفسيولوجي لجسمه وجسم ما حوله من مخلوقات معروفة لديه وكذلك تأثير النواحي البيولوجية والميكروبية عليه.
وبهذا استطاع حماية نفسه من بعض الأمراض الفتاكة، كما أنه استطاع علاج بعض مما أصابه منها، إن هذا الإنسان هو الإنسان الذي ظل ملايين السنين يعيش دون الاستفادة مما هو متاح من تلك النواميس الثابتة على أمد الدهر حتى اهتدى إلى هذا التغيير العظيم في الجانب المادي ولسنا نعلم ما سيكون حجم تلك الاستفادة في القرون القادمة فهذا ما سيعرفه من سيأتي بعدنا من أجيال.
لقد كان هذا التغير المادي واضحاً للعيان، غير أن التغير في السلوك والسياسة والتعامل ظل دون تغيير يذكر عبر تلك الملايين من بدء الخليقة وحتى وقتنا الحاضر رغم توفر قوانين متاحة تعمل على توفير الخير للبشرية جمعاء وهي ما حملته الكتب السماوية مثل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم من تعاليم تنظم التعامل الذي يجب أن يسود لدى الإنسان حتى يعيش حياة كريمة صالحة للجميع.
بقي الإنسان عاجزاً عن التحرر من غرائزه للاستفادة مما هو متاح من تعاليم سماوية تتفق في مجملها مع ما يمليه عليه عقله ومنطقه لكنها قد لا تتوافق مع غرائزه وشهواته، وما زال الصراع قائماً بين تلكما القوتين والشهوات القابعة في ذات الإنسان، وما زالت تلك الشهوات طاغية في الغالب على بني البشر، ولهذا فهو لم يتوقف عن الصراع والقتال والمماحكة والاستئثار تاركاً تلك الصور الجميلة من السلم والمحبة والإيثار.
إن الإنسان سيظل متطلعاً إلى نقلة نوعية في سلوكه وأسلوب حياته مستفيداً مما هو متاح ليواكب ذلك التطور المادي الذي صنعه هو بذاته مستفيداً من نواميس الحياة.
إن الأمر يحتاج إلى شجاعة للتحرر من ذلك المفهوم الخاطئ لبعض النظريات الاقتصادية والسياسية وتهذيبها لتحمل ما تحمله من مبادئ جيدة لدفع عجلة الإنتاج والمحافظة على كنهه إلى توخي النواحي الأخلاقية وجعلها طاغية على مبادئ الإنتاج الحقيقية.
لقد كان الصراع بين الاجتماع والاقتصاد واضحاً في دول العالم الثالث مما قلل من كفاءة الإنتاج لكن علم الاجتماع قد يكون مفيداً ورافعاً لكفاءة الإنتاج لو أن تلك العوامل الاجتماعية اكتست مسحة أخلاقية نابعة من شجاعة مطلقة في التحرر من شهوات الذات.
سنظل ننظر بعين التفاؤل لذلك الجيل القادم القادر على التغلب على شهوات ذاته في صراعه معها ليوفر لذاته حياة كريمة آمنة مستقرة، تتمشى مع ما أتاح لذاته من ظروف مادية استفاد من بعضها في خدمة ذاته كما استخدم بعضها في تدمير ذاته.
|