السيادة العراقية والتطلعات الأجنبية

ثمة تباينات في تصورات الحلفاء الغربيين حول عراق ما بعد الاحتلال ، أي عراق ما بعد الثلاثين من يونيو القادم الموعد الذي يفترض أن تنتقل فيه السلطة إلى حكومة عراقية مؤقتة ، بدلاً من السلطة الحالية التي تمثل الاحتلال .
بعض من هذه التصورات يتصل مباشرة بالسيادة العراقية ، وعلى سبيل المثال فإن وضع قوات التحالف يعتبر محكاً لمدى تمتع العراق بهذه السيادة .. فبينما يتصور البريطانيون ، الشركاء الأساسيون في التحالف ، أن قوات الائتلاف يجب أن تخضع لأوامر الجيش العراقي فإن الأمريكيين يقرون بأهمية التشاور مع الجيش الوطني دون أن يتجاوز الأمر مرحلة التشاور ، أي دون الخضوع لاوامر من جهات اخرى غير امريكية ..
مثل هذا الفهم المتناقض جعل العراقيين يعتقدون أن ما يجري قد يكون مجرد سيادة صورية لا اساس لها في الواقع ، وهم يشيرون إلى أن تصورات الغربيين قد تسلبهم حرية التصرف في اموالهم وتبقي على جيشهم تحت تصرف القوات الأجنبية إلى جانب تحديد شكل البناء السياسي ..
وعلى الرغم من التباينات في المواقف الأمريكية والبريطانية ، فإن الجانبين يتفقان على استمرار وجودهما العسكري حتى بعد الانتقال إلى الحكم الوطني الذي تمثله الحكومة التي سيتم تنصيبها في الثلاثين من الشهر المقبل ..
وبالنسبة للخلافات بين واشنطن ولندن فإنها تعكس استجابة لتطلعات الساحة الداخلية على الأقل ، فيما يتصل برئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي يواجه عاصفة لم تهدأ بسبب دعم حكومته لواشنطن ، بل وانسياقها وراء السياسات الأمريكية الخاصة بالعراق ، وقد رأى بلير أن الابتعاد قليلاً عن هذه التبعية قد يعيد التوازن إلى وضعه السياسي ..
وتبدو الحاجة ملحة لتحديد المفاهيم ، وبالذات مفاهيم المرحلة المقبلة بدقة ، خصوصاً في بلد تسيطر عليه بشكل عام النزعة العسكرية ، التي تتعجل في غالب الأحيان الاحتكام إلى البندقية ، إلى الدرجة التي يثير فيها نقاش صغير حفيظة البعض ، فما بالك اذا كان النقاش يتناول مستقبل وسيادة بلد بأكمله بما في ذلك اوضاعه السيادية التي يتساهل البعض في الانتقاص منها إلى الدرجة التي تدفع آخرين للذود عنها بما يتوفر لديهم من وسائل وآليات ، ليس بينها في الحالة العراقية النقاش الهادئ ..
ولا يحتاج الاحتلال في العراق إلى التلميح إلى دور مهيمن له في مستقبل هذا البلد لكي يزيد النقمة الشعبية عليه ويجلب المزيد من عداء الآخرين له ، فما حدث في ابو غريب يكفي وحده ، ومن ثم فإن زرع الأمل في نفوس العراقيين قد يزيح بعضا من الألم الممض الذي خلفته تصرفات الأمريكيين وغيرهم ، والأمل المتاح الآن يتمثل في وعود جادة للعراقيين بأنهم على وشك تسيير امورهم بأنفسهم ، وأن دور قوات الاحتلال لن يتجاوز بأي حال من الأحوال العمل تحت إمرة قيادة وطنية عراقية .