لقد أصم آذاننا طيلة سنين مضت ضجيج كثير من بعض بني قومنا بالحديث المنتشي بالعجب والانبهار عن حضارة الغرب وخاصة الحضارة الأمريكية بأنها حضارة الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، حتى أضحت التقارير السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية عن تقييم أوضاع حقوق الإنسان في دول العالم أحكام مقدسة تنم عندهم عن حس إنساني مرهف! يستدل بمضامينها على نبل هذه الحضارة وحرصها على حماية حقوق الإنسان مهما كان جنسه أو دينه! ولم يدر بخلدهم أن هذه التقارير مهما تضمنت بعض حقوق فهو حق يراد به باطل مسيس لأغراض دنيئة لا تمت للمبادئ النبيلة بأي صلة.
وها هي مزاعمهم المخزية تتكشف للعالم وتثبت بالدليل الدامغ أن هذه الحضارة المزيفة ما هي إلا بريق مادي لامع كسراب بقيعة يخفي إعلامها المبهر ورائه وضعاً قبيحاً كالح السواد يقطر خبثاً وكراهية واستعلاءً مقيتاً لا يستغرب من أمة منحلة من القيم قائمة على التسلط والفساد عارية من المبادئ والأخلاق بدرجة تفوق عريها من اللباس الساتر، وقد انغمس جل مجتمعها في الانحلال الخلقي بقدر يشمئز منه الحيوان الأبكم لا يستغرب منها هذه الممارسات القبيحة التي لم نسمع بمثلها عبر التاريخ مهما فاقها من شدة وقسوة في التعذيب لكن أن يصاحب ذلك ممارسات سادية فاسدة فهي لا تصدر عن أمة تدعي حفظ الحقوق ونبل الأخلاق لا يمكن لمن خبر هذه الحضارة عن قرب وعرف تاريخها القديم والحديث إلا أن يشفق على من تملكه العجب والصدمة من حصول هذه الأفعال منهم والشيء من معدنه لا يستغرب.
إن هذه الممارسات الخسيسة التي ارتكبت بحق الأسرى المسلمين بيد هؤلاء وما خفي منها كان أعظم وما صاحب ذلك من تعبير متعمد عن نشوة الانتصار والانتقام المصاحب للتعذيب وامتهان الكرامة بأفعال مسيسة وذات أبعاد دينية عنصرية حاقدة كإجبار السجناء على تناول الخمر وأكل لحم الخنزير والإفطار في نهار رمضان وأفعال الاغتصاب المشينة بالنساء الحرائر والرجال الكرام من قبل علوج أنجاس ما هو إلا تطبيق متتابع لما أعلن من أن هذا الصراع هو صراع تاريخي وصليبي قد تجلت أبعاده لأولي الألباب أما المخدوعون الذين وصل بهم الانهزام والتبعية وضعف الإرادة وفقدان الكرامة إلى تبرير جرائم القوم فهم فئة لا كثرها الله موجودة في كل عصر ومصر قد ابتليت بها.. الأمة تشقى بفعالها وتمتحن، و مردها إلى مزبلة التاريخ بعد أن يعلو صوت الحق وتنتصر إرادة الأمة وينكفئ العدو بالهزيمة والخسران.
لا ينبغي أن تنطلي علينا حيلهم وألاعيبهم بعدما أهدرت الكرامة وأهينت المقدسات المتمثلة في نفس الفرد المسلم بقولهم ومن لف لفهم أن هذه مجرد ممارسات فردية بعدما طفح كيلها وفاح ريحها النتن فهي ممارسات مبرمجة على أكثر من صعيد ومن أعلى المستويات ولا يخفف من عوارها محاكمات صورية واستماعات تحقيقية مسرحية لا تنفك عن روح الافتخار بالجنس الأبيض المقدس عندهم وبأن أفعالهم وإن بدا فيها ضرر ظاهر لمشروعهم الكبير في الهيمنة على أمة الإسلام لا تتعدى في تصور صناع القرار عندهم كبوة حصان كان من الأولى إبقاؤها طي الكتمان لمواصلة القهر والإذلال لعدوهم الحضاري الأول ولكن إرادة الله أبت إلا فضحهم بفعل صراع الأجنحة السياسية أو بتقديرات من قصد نشرها لإهانة المسلمين وإغاظتهم وكسر عزيمتهم ومعنوياتهم حتى لا تقوم لهم قائمة ولكن سينقلب السحر على الساحر بإذن الله وتدور على الباغي الدوائر.
إن ظهور هذه الصور الشنيعة لبعض الممارسات التي تحدث لإخوان لنا في العقيدة والدين من وراء القضبان والجدر وانكشافها للعالم يعد لطفاً من الله بهؤلاء الضعفاء المأسورين ليعلم العالم حالهم وليكون الخبر شاهداً حياً على ضعف الأمة وعجزها عن النصرة والنجدة بعدما كبلها العجز والخور والصراع البيئي والخلافات الدامية التي أوهنت في القوة وشتت الجهود, وشاهد حي أيضاً على عري هذه الحضارة الظالمة وكذب ربانها وخداعهم وحقدهم الدفين الذي بانت معالمه وما تخفي صدورهم أكبر.. لكن يبقى سؤال هام ومحوري مع هذا الوضع المأساوي للأمة والفرد المسلم الذي يتخطفه الردى في كل مكان من فلسطين إلى العراق إلى غيرها من أرض الله التي لا يمر فيها يوم إلا وتسيل فيه دماء وتمتهن فيه كرامة مسلم وكأن هذه الأمة قد كتب عليها الذل والهوان وهي خير أمة أخرجت للناس وهي أمة الشهادة والأمة الوسط وأمة التوحيد وسط عالم مشرك وضال ..هل هذا قدر الأمة ومصيرها المحتوم؟ أقول غير حانث بل وأثق بموعود الله كلا! بل هي مرحلة التمحيص ومخاض مرحلة وطور جديد لا أخال المتابع الفاحص لتجليات أحداثه إلا أن تتبين له معالمه ولكن المفتون من انغمس في وحل التشاؤم واليأس بفعل قوة صولة الباطل وكثرة المأسي فأوقعه في أوهام مضلة أعجزته عن التفكير الحر الموضوعي الذي ينظر للأمور بواقعية مرتبطة بالنصوص الشرعية والنواميس القدرية والكونية التي ترفدها شواهد التاريخ ومجريات أحداثه التي قد تتكرر بعض فصولها مراراً وإن اختلفت في بعض التفصيلات وإلا ففي قصص الغابرين آية وعبرة.
وما هذه التداعيات التي تغذي بلا شك روح التحفيز والفعل الإيجابي في أبناء الأمة إلا دليل على أن التحول التاريخي لمرحلة جديدة آخذ في التسارع، إلا أنه ينبغي على الجميع وخاصة من بيده شيء من المسؤولية أن يسعى لتوجيه وتسديد هذه التفاعلات التي تؤججها هذه الأحداث المتتابعة لفعل رشيد يخدم أهداف الأمة ويجمع جهودها نحو بناء القوة المعنوية والمادية استعداداً لمواجهة تداعيات هذه الحقبة التاريخية الخطرة والهامة ومنعاً لتشتت الجهود وانحرافها نحو ردود أفعال طائشة تعمق الجراح وتضعف البناء وتربك الصف، مع معالجات حكيمة لمن حاد عن الركب وشط عن الطريق بعيداً عن المزايدات السفيهة والملاسنات الموتورة التي لا تنم إلا عن نفس مريضة ذات أهداف مسمومة أو رؤى فاسدة تدفعها رواسب فكرية متضاربة مما أفقدها أي صلاحية لتسنم أي منبر فتحتم نصحها للإعراض عن إثارة الفتن وتأجيج الصراعات فإن ارعوت وإلا فإن في إسكاتها مصالح راجحة بعدما آذت وشوشت بطرح نشاز غير رشيد أقل ما يقال عنه إنه طرح صبياني لا يمت للحكمة بصلة، فلتتضافر الجهود لتوحيد الصف وتحصيل القوة وتجنب أسباب الهزيمة النفسية التي يسعى العدو حثيثاً لتعميقها في نفوسنا مع تمسك واثق ومعتصم بدين الإسلام بالأخذ بمبادئه وطرح ما سواه مهما نعقت طيور الضلال من شياطين الإنس والجن . والله الموفق
ص.ب 31886 الرياض 11411
فاكس 4272675 |