سلام السودان

يقف السودان على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالكثير من الأمل بعد الأنباء التي تحدثت عن طي صفحة الخلافات بين الشمال والجنوب في خطوة تمهد لتوقيع اتفاق سلام نهائي لحرب استمرت أكثر من عقدين من الزمان, لكن السودان المقدم على اتفاق هام يتعين عليه أيضاً أن يضمد جراحاً أخرى في غربه حيث المواجهات التي مضى عليها عام في اقليم دارفور.
ويفيد كثيراً أن يتم توجيه قوة الدفع الناجمة عن الاتفاق بين الخرطوم وحركة قرنق إلى غرب البلاد لإنجاز اتفاق آخر يمكن معه الحديث عن سلام شامل في السودان, ويبقى مع ذلك هذا الاتفاق مع الحركة الشعبية أمراً مهماً تغطي آثاره كافة جوانب الحياة السودانية, وقد كان من الواضح منذ عدة شهور أن الجانبين عازمان على التوصل إلى اتفاق, ومع ذلك كان هناك إقرار من كليهما, بأن الاتفاق ليس أمراً سهلاً, لأن نقاط الخلاف ذات طبيعة معقدة ولأن جذور الصراع تعود إلى عهود قديمة, حيث عمل المستعمر على زرع تلك الجذور وفق سيناريو جرى تفعليه بصورة فورية عقب الاستقلال في منتصف الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي.
الزمن الطويل الذي استغرقه التفاوض, وفق اسلوب مستحدث في فض الصراعات الدولية شمل جلسات للتنوير من قبل الوسطاء والمشاركين الاجانب بكيفية حل الخلافات, كما شمل الاستعانة بخبراء دوليين في الاقتصاد والإدارة المالية لفض الخلافات الجوهرية المتعلقة بتقسيم الثروة, إلى جانب خبراء آخرين في مختلف المجالات، كما أن نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه أمضى شهوراً بكاملها في منتجع نيفاشا بكينيا وتحولت وظيفته الأساسية إلى مفاوض في مواجهة رئيس الحركة الشعبية جون قرنق.
ولعل أكثر ما يحمل على التفاؤل بامكانية الحفاظ على السلام انه جاء بعد 50 عاماً من الحروب وعدم الاستقرار, حيث إن الحرب الأخيرة تمثل أحد أوجه ذلك النزاع الطويل المرير, وقد أدرك السودانيون وعايشوا فداحة الخسائر, في الأرواح خصوصاً, فهناك حديث عن أكثر من مليوني قتيل, وهناك ضياع للثروات, وهناك أيضاً الصورة المشوهة لكل آثار الحرب وتبعاتها على الصعد النفسية والاجتماعية والسياسية وصورة البلد في الخارج..
ومع رياح السلام التي بدأت تهب على هذه الدولة, ذات الموقع الاستراتيجي والهوية العربية الإفريقية, ظهرت ملامح تحولات اقتصادية ايجابية يمكن أن تفيد كثيراً في ترسيخ اسس السلام باعتبار ان جانباً كبيراً من هذا الصراع كان يدور حول الثروات المكتشفة حديثاً والتي يؤمل أن تدفع إلى الأمام الايجابيات التي بدأت تتحقق على الساحة السودانية.
وبصفة عامة فإن السلام أمر مطلوب بكل ايجابياته بما في ذلك تلك التي تطال الوضع العربي باعتبار عودة العافية إلى جزء مهم من الأمة بكل ما يعنيه ذلك من تمتين للحالة العربية والتخلص من احد عوامل عدم الاستقرار في المنطقة.