Wednesday 26th May,200411563العددالاربعاء 7 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "منوعـات"

وتاليتها .... وتاليتها ....
أ.د هند بنت ماجد بن خثيلة

المنطق يفرض علينا في كثير من الأحوال أن نقبل الأمور على علاتها إذا جاءت متسقة مع العرف، وقابلة للقياس، وتقع تحت الإمكانات العقلية في فهم تلك الأمور وعرضها على فكرة القبول والرفض التي لا يصعب التمييز فيها، إن جاءت ضمن المعادلة القيمية للإنسان.
هذا يعني أننا نحتج عادة بالمنطق لإثبات الفكرة، ونستعين به لتطبيقها، وغالباً ما نردد هذه الكلمة في سياقها الاصطلاحي لإقناع الآخر بوجهة نظرنا، التي قد تلاقي سوء فهم، أو رفضاً، أو تردداً في القبول.
هذا المنطق يفرض علينا ألا نكون بيزنطيين في تناول الأمور، بل إنه يقطع الطريق على معتنقي فكرة الجدل لذاتها.
فحين نقول إن المنطق يفرض علينا السير لمواكبة العصر، والتقدم، فإننا بذلك ننطلق من الغيرة على حاضرنا ومستقبلنا تأسياً بالدول والأمم التي سبقتنا بالعمل دون الوقوف بطاقاتها عند حدود الثرثرة النظرية.
كثير من مظاهرنا الاجتماعية لا تخضع للمنطق، وليس له سبيل إليها، وهذه المظاهر هي التي تسبب لنا في الغالب ظهور نوع من الجدلية غير المؤدية وغير الموصلة للهدف.
ظاهرة (البسّاطة) يمكن أن توضح لنا أهمية أن نعي تأثير غياب المنطق في حياتنا، وفي فواصل سلوكياتنا التي لا نتجرأ أن ندخلها في عملية ازدواجية في العقيدة.
و(البسّاطة) مفردة (البسّاطات) وهي التي تفترش (بسْطة) عليها (بِسَاط) مهما كان نوعه أو لونه! وما أكثر (البسّاطات) في أسواقنا، وعلى أرصفة مدننا! فترى أسرابا من السواد المتصل على (التوازي) يفاجئك عند دخولك إلى السوق، مهما كانت هذه السوق من حيث مستواها المادي والمكاني.. ولا نملك إلا أن نقبل أولئك، ليس منة من أحد أو مراعاة لأحد، فهؤلاء النسوة المتشحات بالسواد والحشمة وضيق اليد، يخرجن (ليبسِّطن) لا لينظرن إلى الغادي والرائح، ولا ليحدق فيهن السعاة في الأسواق. لقد جئن لطلب الرزق (ولو تحت أقدام المشاة) الذين غالباً ما يخطرون من فوقهم، خاصة إذا ضاق الشارع ذرعاً برواده ولم يجدوا بداً من الهروب إلى عالم الأرصفة.. وسكانها.
كلنا نقف أمام (البسّاطات)، ونستمتع بذلك، ليس من منطق حب الفرجة على أسرار وأنواع البضائع المتناثرة أمامهن على البساط فحسب، ولكن لأن شيئاً من التراث يشدنا إلى صورة الماضي العفوية التي كانت تلك البسّاطات فيها يضطررن إلى حمل بضاعتهن ونشرها أمام عتبات البيوت، ولو تحت مسمى آخر.
لا أقصد من هذا القول شرح عمل أو دور وأسلوب هؤلاء لكسب الرزق ، بقدر ما كنت أقصد أن أتساءل: إذا كان جلوس النسوة على الأرصفة الظاهرة أمام الرجال والنساء وتعاملهن مع الجنسين مباشرة أمراً مقبولاً في مجتمعنا ولا غبار عليه إلا من حيث ملاحقة البلدية لهن، وزرع الخوف والارتباك في قلوبهن بين الفينة والأخرى، إذا كان الأمر كذلك، وليس فيه حرمة اختلاط، أو رفض اجتماعي، فما الذي يمنع إذاً من أن تجلس تلك (البسّاطة) في محلها المتسع الأبواب الذي يقيها ويقي بضاعتها أقدام المشاة وعبث الأطفال، وتقلبات الأحوال الجوية.. وأمزجة البلدية؟!
مرة أخرى ما الذي يمنع أن تنتقل هذه (البسّاطة) في القرن الواحد والعشرين من الرصيف إلى الدكان، طالما أنها مستعدة لاستكمال إجراءات الترخيص، بعد ذهاب الوكيل مع القرن الماضي، وطالما نظل نحن وأطفالنا بحاجة إلى زيارة أولئك البسّاطات في مشاويرنا عبر أسواقنا التي تغص بنا وب (بساطاتنا)؟!
المنطق يعني الكلام.. فإذا كنا لا نريد قبول المنطق، أوَ ليس من الواجب علينا أن نسمع الكلام؟!... وتاليتها


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved