ودارت السنة ورجع الجميع لعادتهم من الاستنفار في فترة الاختبارات حتى أضحى الاستعداد لهذه الفترة محاطاً بالفزع والتوتر وربما نتج عن ذلك شيء من الاضطرابات النفسية والجسدية ذاك أن الناس لم يضعوا هذه المسألة في مسارها الصحيح فتاهوا وتخبطوا، ومما زادهم قلقاً وخوفاً استقبالهم للأراجيف والأحكام ونصائح اليائسين فربطوا سعادتهم ومستقبلهم الوظيفي والأسري بالنجاح الدراسي وتحصيل النسب، من أجل هذا وددت أن أقف هذه الوقفات مع الطلاب والطالبات راجية أن يستقبلوها بقلوب عقولة مطمئنة لأنهم أحوج ما يكونون الآن للاطمئنان والاسترخاء:
أولاً: أبواب الرزق والنجاح كلها بيد الله سبحانه وهي مشرعة ويد الله سخاء لا تغيضها نفقة.
ثانياً: إن الله خلق عباده متفاوتين في القدرات فمنهم من موهبته في عقله الدراسي ومنهم من موهبته في أنامله أو في ساعديه وعضديه أو في حركته وسعيه والتأمل لحال الناس في قديم الزمان وحديثه يرى ذلك بل ويرى أن جل الأغنياء ليسوا من أهل الشهادات أو المعدلات.
ثالثاً: إن كل ما يحدث في هذا الكون بقدر الله فالهمّ والفزع زيادة لا طائل منها وقد جاء في الحديث (لا تكثر همك ما يقدر يكن) بمعناه الحديث وأن قدر الله كله خير.
رابعاً: إن أسباب الرزق كثيرة والناس في غفلة عنها ومنها:
1 - التوبة والاستغفار: قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} سورة نوح (10- 12).. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب) رواه أحمد.
2 - التقوى: قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} أي من جهة لا تخطر بباله.. قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن أعظم آية في القرآن فرجاً) (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً).
3 - التوكل على الله: قال صلى الله عليه وسلم: (لوأنكم توكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).. وقد يظن البعض أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير والأسباب، وهذا ظن حرام ولا ينال الإنسان مقام التوكل العظيم بمحرم من المحرمات.
4 - صلة الرحم: محسنهم ومسيئهم قال صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يمد له في عمره ويوسع عليه في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه) رواه أحمد.
5 - ومنها الإحسان إلى الضعفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) رواه البخاري.. فتأمل ذلك واستبشر بما عند الله.
خامساً: إن من قدم الأسباب وبذل الجهد وجد واجتهد قسم الله له توفيقاً يسعد به على ما يختار الله فلا تهمل وتتوتر وترجو النجاة ولم تسلك مسالكها واجعل كل إخفاق يصيبك درساً نافعاً للجد والاجتهاد.
سادساً: أحبابنا: رفقاً بقلوبكم وقلوبنا في أمور جرت بها المقادير وسبب لها الأسباب فابذلوا الأسباب متيقنين أن كل ما قدر الله سيصير، وإن أبينا وأن قدره كله خير وإن جهلنا وأنه سبحانه أرحم بكم من أهليكم وأن العاقبة للمتقين فاحذروا أسباب الخذلان من إيقاع الأذى بالآخرين أو الغش للنجاح فإن الغاش مخذول.
الخير أبقى وإن طال الزمان به
والشد أخبث ما أوعيت من زاد |
وأخيراً: أوصيكم بالمحافظة على أذكار اليوم والليلة فإن ذكر الله من أسباب التوفيق وهو حصن حصين عن الوسواس والضيق وأذى الناس أجمعين وفقكم الله وسددكم ويسر أموركم، وجعل هذه الأيام ذكرى لطيفة في حياتكم ونقطة انطلاق لكل خير وترك كل شر.. آمين.
فاطمة المغامس
مشرفة العلوم الشرعية بمكتب الإشراف التربوي بالحرس الوطني |