Wednesday 26th May,200411563العددالاربعاء 7 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "متابعة "

نريد حلاً سريعاً لا مؤلماً.. لمشكلة البطالة «5-7» نريد حلاً سريعاً لا مؤلماً.. لمشكلة البطالة «5-7»
م. عبد المحسن بن عبد الله الماضي

المسار الرابع:
المسار التوظيفي
الوظيفة المناسبة التي تحقق العيش الكريم والأمن الوظيفي هي حلم كل شاب أنهى تعليمه أو توقف عنه لسبب أو لآخر.
والحصول على الوظيفة هو بداية الانطلاقة في الحياة على مستوييها المعيشي والعملي.. فبعد الحصول على الوظيفة يبدأ الشاب بالتقيد بما يترتب عليها من استحقاقات كتنظيم الوقت.. والتزام المسؤولية.. واحترام الزملاء والمسؤولين.
ويفكر في ما بعدها، من تكوينه للأسرة.. وتحقيقه للطموحات كالمنصب في العمل.. والمكانة في المجتمع.. والقدرة المالية التي تمكنه من تحقيق رغباته وتلبية حاجاته.. أي أن الحصول على الوظيفة المناسبة للمؤهلات من عدمه.. يشكل منعطفا رئيسيا في حياة الشباب. لذا تعمل الدول جاهدة لتوفير وظيفة لكل مواطن.. تناسب مؤهلاته ومهاراته وقدراته.. كما تعمل على الاستخدام الأمثل للقوى الوطنية العاملة.. وتستثمر الكثير في تأهيلها.. لوقايتها من النتائج السلبية المترتبة على بطالتها.. وتعمل الدولة على تحقيق ذلك من خلال تقديم خدمات التوجيه والتوظيف للعمالة الوطنية.. بعد أن تكون قد أهلتها التأهيل المناسب لمتطلبات سوق العمل.. ووضعت الحوافز وأزالت الحواجز لتنمية سوق العمل.. لتوفير فرص وظيفية تتناسب مع المخرجات التعليمية والتدريبية سنويا.. كما ونوعا.
إن معادلة التوظيف تتكون من ثلاثة عناصر.. واختلال أي عنصر من عناصر هذه المعادلة يعني البطالة وهي:
1- وجود فرص وظيفية لدى أصحاب العمل.
2- توفر عمالة مؤهلة تلبي متطلبات هذه الفرص وترغب بالعمل.
3- وجود وسيلة اتصال بين أصحاب العمل وطالبي العمل.
إذن التوظيف في معناه الشامل.. يعني توسيع الفرص الوظيفية.. وتأهيل المواطنين كما ونوعا لشغل هذه الوظائف.. وتوجيه المواطنين لاغتنام الفرص التدريبية لتحقيق متطلبات الوظائف المتاحة.. وتوجيههم للانتساب لها.. وحث أصحاب العمل على استيعابهم.. من خلال التشريعات المنظمة لسوق العمل.. أما المسار التوظيفي الذي نقصده هنا فهو محصور في تقديم خدمات التوجيه والتوظيف للعمالة الوطنية.
إن عملية التوظيف التي نقصدها هنا كما يقول المثل الشعبي هي: التوفيق بين راسين بالحلال.. ففي الوضع الطبيعي (دون تدخل الواسطة وقوى الضغط الاجتماعي) يريد أصحاب العمل موظفين قادرين على سد احتياجات الوظائف المتوافرة لديهم دون أن يضطروا لإعادة تأهيلهم.. فالوقت بالنسبة لهم يعني المال.. وعلى الطرف الآخر يريد طالبو العمل وظيفة تناسب مؤهلاتهم ومهاراتهم وقدراتهم من حيث الصفة الوظيفية والعائد المادي والمعنوي.. ويتحقق التوفيق بينهما بإحدى الطرق التالية:
1- بواسطة مكاتب التوظيف (حكومية أو أهلية).
2- بالمنشآت التأهيلية (تعليمية أو تدريبية).
3- بالإعلان في الوسائل الإعلامية.
4- بالموظفين الحاليين وأقارب وأصدقاء ومعارف متخذ القرار.
ومن الواضح أن الطريقة الأولى.. وهي التي تتم من خلال مكاتب التوظيف هي الطريقة الوحيدة التي يمكن تنظيمها وتفعيلها لتقدم هذه الخدمة بمهنية عالية.. ذلك أن تقديم خدمات التوظيف لأصحاب وطالبي العمل هي المهمة الرئيسية التي من أجلها أنشئت تلك المكاتب. أما باقي الطرق فهي مساندة فقط.. إذ إن المنشآت التأهيلية تعليمية كانت أو تدريبية مهمتها الرئيسية هي التأهيل لا التوظيف. أما الإعلان فهذا جهد تقوم به الشركة الراغبة بالتوظيف ويختلف من شركة لأخرى.
أما المعارف والموظفون فهذه اتصالات شخصية لا يمكن تنظيمها.. وفي ظني أن هذه الطريقة الأخيرة هي الأكثر فاعلية في مجتمعنا السعودي، ويؤكد ما ذهبت إليه، ما نراه اليوم من تجمعات قومية أو إقليمية أو قبلية في بعض المنشآت الحكومية أو الخاصة.. وهذا عائد لعدم انتشار مكاتب التوظيف المهنية الموثوق بها.
وقبل الخوض في مكاتب التوظيف وأنواعها ومهامها وآلية عملها وهمومها.. دعونا نتفق على بعض المسلمات التي تساعدنا في مناقشة الموضوع مناقشة متكاملة:
1- إن أصحاب العمل يسعون للحصول على موظف يسد احتياجات الوظيفة المتاحة فورا.. دون الحاجة لإعادة تأهيله.. وإن استقطاب الموظفين من المهام الشاقة التي تواجههم.
2- إن طالبي العمل يسعون لوظيفة تناسب مؤهلاتهم.. وإن حصولهم على أدنى من ذلك يلغي نية الاستمرارية في الوظيفة لديهم.
3- إن قرار إنهاء خدمة الموظف أصعب بكثير من قرار تعيينه.
4- إن معدلات التدوير العالية للموارد البشرية من مؤشرات سوء الإدارة.
5- إن الثقة والمصداقية هما محورا سمعة مكاتب التوظيف لدى أصحاب وطالبي العمل في تحقيق متطلباتهم، دون تهاون أو تحايل أو خداع.
6- إن مكاتب التوظيف يجب أن تتخصص بتقديم خدمة التوظيف لقطاعات ومستويات إدارية أو فنية محددة.. فلا يمكن لمكتب أن يقدم هذه الخدمات بكفاءة لجميع أنواع ومستويات الوظائف.
7- إن مكاتب التوظيف يجب أن يكون لديها من القدرات والإمكانيات ما يمكنها من اختبار طالبي الوظائف، لتتأكد من تطابق معارفهم ومهاراتهم وقدراتهم مع ما يحملونه من مؤهلات وشهادات خبرة.. وإنها تستطيع أن تحدد الاحتياجات التدريبية للمتقدم بعد الاختبار لكي ترشحه للوظائف المتاحة الملائمة له.
8- إن مكاتب التوظيف يجب أن تكون ملمة بالتشريعات المنظمة لسوق العمل وتوعي الطرفين للالتزام والتقيد بها.
9- إن مكاتب التوظيف يجب أن تكون على علاقة وثيقة بالمنشآت التأهيلية لاقتناص الكفاءات البشرية.
10- إن مكاتب التوظيف تساهم بالارتقاء بجودة العمالة الوطنية من خلال التزامها بمبادئ ومعايير المهنة.
11- إن التوظيف بالإجبار والضغط مآله الفشل.
والآن لنتساءل كما تعودنا.. لكي نفكر ونبتكر الحلول بموضوعية لا بعاطفية.. لكي نحقق النجاحات في مضمار التوظيف الذي يرتبط ارتباطاً وثيقا بالتأهيل.
* من هي الجهات القائمة التي تقدم خدمات التوظيف في المملكة؟
* هل هي متنافسة أم متكاملة أم لا علاقة بينها؟
* هل هي قادرة على القيام بمهمتها بفعالية؟ أم أنها دون ذلك؟
* هل آلية العمل في هذه المكاتب سليمة وفعالة؟
* هل مكاتب توظيف الوافدين أكثر فاعلية من مكاتب توظيف المواطنين؟
* هل هناك تشريعات تنظم مكاتب التوظيف؟ وما هي؟ وهل هي كافية أم ناقصة أم زائدة؟
* هل مكاتب التوظيف الأهلية تهتم بتوظيف المواطنين؟ أم أنها تقدم خدمات التوظيف لكل متقدم؟
* هل تعتمد مكاتب التوظيف على الدراسات والبحوث للتعرف على اتجاهات سوق العمل الحالية والمستقبلية لتلبيتها؟
* هل هناك علاقة تربط مكاتب التوظيف بالجهات التأهيلية.. والجهات الحكومية المسؤولة عن الاستقدام.. والجهات الموثقة لشهادات التأهيل والخبرة؟.. وهل الربط إن وجد فعال وسريع.. ويستخدم أحدث تقنية المعلومات.. لمساندة متخذ القرار بالسرعة المناسبة؟
* هل يثق أصحاب وطالبو العمل بمكاتب التوظيف حكومية كانت أم أهلية؟ * وكيف يمكن تطوير هذه المكاتب لتقوم بدورها على أكمل وجه.. وتساهم مساهمة فعالة في الحد من البطالة؟.
* وهل تقدم الدولة حوافز لمكاتب التوظيف الأهلية للمساهمة في توظيف المواطنين؟
للتفكير في الإجابة على هذه التساؤلات.. دعونا نرى أولا اتجاهات الحكومة في المجال الاقتصادي.. وأهمها اعتماد إستراتيجية التخصيص والتوجه للانضمام لمنظمة التجارة العالمية.. وما يترتب على ذلك من انعكاسات على القوى العاملة.
إن التخصيص يعني بيع الشركات التي تمتلكها الحكومة أو تمتلك جزءا منها للقطاع الخاص.. كما يعني تخلي الحكومة للقطاع الخاص عن مسؤولية تقديم الخدمات للمواطنين بمنظور تجاري كما هو الآن في قطاعي الاتصالات والكهرباء.. وهذا يعني أن فرص العمل في الحكومة تتقلص من ناحية.. وأنه سيكون هناك فائض من العمالة الوطنية التي قد لا يكون لها مكان بعد التخصيص، كما حصل عند تخصيص قطاع الاتصالات.. كذلك الانضمام لمنظمة التجارة العالمية قد يلزم المملكة بعدم التداخل بين سوق العمل ونظام السلطة لتترك نظام السوق هو المهيمن.. وهذا يترتب عليه إلغاء قوانين الحماية للمواطن السعودي.. وهذا يستدعي المعالجة السريعة للقضايا ذات العلاقة بسوق العمل وسياساته.. ومكاتب توظيف العمالة الوطنية من المحاور التي يجب معالجتها سريعا للقيام بهذا الدور الحيوي لدعم المواطن ليكون منافسا قويا للعمالة الوافدة الماهرة.
قامت الدولة رعاها الله لوعيها بالقضية بجهود كبيرة لمعالجة قضية توظيف العمالة الوطنية.. إلا أن البيروقراطية شكلت عائقا كبيرا أمام فعالية الجهود لتثمر النتائج المرجوة.. يقوم مكتب العمل الرئيسي وفروعه بمهمة تقديم خدمات التوجيه والتوظيف للعمالة الوطنية كجهة حكومية.. ويعمل على إيجاد قاعدة بيانات للوظائف المتاحة في القطاع الخاص بإلزامها بتقديم ديسك شامل على هذه البيانات.. ويحدث ذلك باستمرار.. كما يقوم بإتاحة الفرص للمواطنين الراغبين بالعمل بتعبئة نماذج أعدت لذلك ومن ثم يحاول أن يوفق بين الطرفين.. ويغلب عليه استخدام الضغط السلطوي على منشآت القطاع الخاص لقبول طالبي العمل المتقدمين من خلاله.. ولا يوجد لديه آلية عمل للتأكد من إمكانيات المتقدم المعرفية والمهارية والسلوكية.. مما يجعله وسيلة غير مفضلة لدى أصحاب العمل.
حثت الحكومة القطاع الخاص ممثلا بالغرف التجارية على تقديم خدمات التوظيف والتوجيه للعمالة الوطنية.. وعملت على تنظيم مكاتب التوظيف.. إلا أن مكاتب الاستقدام الأهلية كان لها النصيب الأكبر من التنظيم.. لتأثيرها المباشر على سمعة المملكة الدولية خاصة مع الدول المصدرة للعمالة.
وقد قام القطاع الخاص بمحاولات لتقديم خدمات التوظيف من خلال افتتاح مكاتب التوظيف كمنشآت ربحية.. إلا أن أغلبها لم يحالفه الحظ وأغلق أبوابه لعدم الجدوى الاقتصادية.. وانخفاض معدلات اتجاه المواطنين لمكاتب التوظيف الأهلية.. لانعدام الثقة من ناحية، وعدم شيوع مثل هذه الخدمة في المجتمع السعودي.. واعتماد طالبي العمل على الواسطة والمعارف كوسيلة فعالة للحصول على الوظيفة.
المكاتب القائمة حالياً يطغى عليها صفة الاقتناص للموظفين الأكفاء الحاليين.. وليس العاطلين.. أي أن دورهم يكاد يكون سلبيا أكثر منه إيجابيا تجاه أصحاب العمل.
من ذلك يتضح أن مكاتب التوظيف في المملكة غير فعالة في توظيف العمالة الوطنية.. ولا علاقة بينها.. إيجابية كانت أم سلبية.. فكل يعمل بطريقته دون تنسيق أو تعاون لتحقيق التكامل.. ولا أدل على ذلك من عدم وجود آلية لتقاسم وتبادل المعلومات.
إن التنظيم والآلية التي تعمل بها مكاتب توظيف الوافدين داخل وخارج البلاد أكثر كفاءة وفعالية.. مما جعلها تحقق ثقة المجتمع وأصحاب العمل.. وبالتالي اللجوء لها عند الحاجة للعمالة المنزلية أو المكتبية أو الفنية والمهنية.. ولا أدل على ذلك من انتشارها في البلاد.
إن التشريعات المنظمة لعمل مكاتب التوظيف المعروفة لدينا هي التشريعات الخاصة بمكاتب الاستقدام لشيوع التعامل معها.. أما التشريعات المنظمة لمكاتب توظيف العمالة المحلية في المنشآت التجارية فغير معروفة بالنسبة لنا كمواطنين.. ونحن نحتاج لهذه الخدمة في ظل المنافسة الشديدة على الوظائف المتاحة.. وعليه فإنني أرجو أن تعمل الجهات المعنية على توعية المواطن بالتشريعات المنظمة للتعامل مع هذه المكاتب ليعرف كل ذي حق حقه.
إن عدم وجود مكاتب أهلية متخصصة بتوظيف العمالة الوطنية والاعتماد فقط على المكاتب الحكومية والغرف التجارية يجعل المهمة أصعب.. إذ إن ضعف التمويل جعل البيروقراطية القاتلة تضرب بأطنابها في هذه الجهات.. بينما إناطة هذه المهمة بمكاتب أهلية.. وفق معايير دقيقة.. وتشريعات منظمة.. ودعم محفز.. يفعِّل عملية التوظيف.. حيث يكون المحرك الأكبر لهذه المكاتب الأهداف الربحية.. فيدفعها ذلك للابتكار والتميز والإبداع في أداء مهمتها. لو قامت الحكومة بوضع تشريعات لإصدار تراخيص لمكاتب أهلية لمواطنين مؤهلين للقيام بهذا الدور وفق ضوابط محددة.. تقتصر في مهمتها على توظيف المواطنين العاطلين عن العمل.. وقدمت لها العون والمساعدة المادية والمعنوية.. وميزتها بميزات تفضيلية كحق التعاون مع مكاتب العمل والتأمينات الاجتماعية والأحوال المدنية والجوازات.. ووضعت لها الحوافز عند تحقيقها لأهداف كمية ونوعية في توظيف المواطنين.. ومكنتها من القيام بمهام تساهم في الارتقاء بسوق التأهيل.. كالحق في إصدار أختام الجودة للمتدربين المعتمدة لدى الدولة.
تلك الأختام التي تعني أن طالب العمل لديه من المعارف والمهارات والقدرات ما يتناسب ومؤهلاته وأنه يتسم بالسلوكيات المهنية التي تجعله مؤهلا للعمل في وظائف معينة.. كل ذلك لا شك سيحفز المواطنين لافتتاح مثل هذه المكاتب.. وتحفز أفراد المجتمع وأصحاب وطالبي العمل للتوسع في الاستفادة من هذه الطريقة للتوظيف.
إن مهمة التوظيف مهمة حيوية في حل مشكلة البطالة.. فكم من صاحب عمل يبحث عن موظفين أكفاء ولا يعرف أين يجدهم.. مما جعله يلجأ إلى التجربة والخطأ.. وأفقده الثقة بالعمالة الوطنية.. ودفعه اللجوء للعمالة الوافدة.. من خلال المكاتب الخارجية المنظمة القادرة على توفير العمالة المهنية بأسرع وقت.
وكم من طالب عمل لديه من المؤهلات ما يمكنه من شغل أنواع مختلفة من الوظائف.. إلا أنه لا يعرف كيف يصل لها.. والمعارف المحدودون هم وسيلته الوحيدة للبحث عن الوظيفة.. لعدم وجود مكاتب مهنية محترفة اكتسبت ثقته قادرة على القيام بهذه المهمة.
لذا فإن على الدولة العمل وبسرعة قصوى على تنمية مكاتب التوظيف كما عملت على تنمية المؤسسات التأهيلية تعليمية كانت أم تدريبية.
وختاما فإن التوظيف نوعان.. لدى الغير.. أو التوظيف الذاتي.. وهو أن يعمل الفرد لنفسه بافتتاح مصلحة تجارية.. وهذا التوظيف سنتعرض له في المسار العلاجي الخامس وهو مسار توسيع الفرص الوظيفية.. في المقالة القادمة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved