سعت جريدة (الجزيرة) منذ بدء الهزة القوية التي تعرضت لها سوق الأسهم المحلية خلال الأسبوع الماضي، والتي فقد فيها المؤشر قرابة 900 نقطة، إلى الغوص في الأسباب السلبية المباشرة في آلية السوق المتداعية بعد الصعود الكبير الذي تحقق منذ بداية عام 2004م. ومن هنا اتجهنا إلى الأستاذ إبراهيم الراجحي أحد كبار المتعاملين في سوق الأسهم المحلية؛ بغية الوصول لصورة أوضح لما يحدث حالياً في السوق.
* نود أن نعرف تفسيركم لما يحدث من هبوط شديد لأسعار السوق؟
- أعتقد أن الوضع طبيعي لا يحتاج إلى خوف أو تذمر؛ حيث إن آلية أسواق الأسهم تعتمد على الصعود والهبوط، فالصعود خلال الفترة الماضية كان قوياً جداً لم يكن أحد يتخيله، حتى إن بعض الشركات سجلت أسعاراً غير معقولة، وخاصة الشركات الخاسرة، فعندما أعلنت شركة الاتصالات السعودية عن تحقيق أرباح قياسية 2.5 مليار ريال في الربع الأول من 2004م هبط سعر سهمها 20 ريالاً في السوق، بينما شركة أخرى تربح 200 ألف ريال تقفز أسعار أسهمها 10%. هذا يعني أن أغلب تعاملات السوق بدأت فيها موجة من المضاربات أكثر من الأموال المستثمرة، ويلاحظ الجميع أن أسعار الشركات الكبيرة لم يجرِ عليها هبوط كبير، وإنما تراجع تصحيحي متوقع، والتصحيح دائماً جيد بالنسبة للسوق، فالشركات الصغيرة تم المبالغة في أسعارها السوقية، مع العلم أن الشركات الصغيرة تحقق نسبةً من الصعود مع استمرار تنامي أسعار الشركات الكبيرة، وهذه آلية طبيعية. والحق يقال: إن معظم الشركات الصغيرة بدأت تحقق أرباحاً في قوائمها المالية خلال العام الحالي، ولم يتبقَّ تقريباً سوى ثلاث شركات لا تزال تقبع في دائرة الخسائر، وهذه ظاهرة صحية للسوق، فتقليص الخسائر ودخول شركات جديدة في دائرة الأرباح وفوز العديد من الشركات بعقود جديدة سوف يثمر عن جني أرباح في المستقبل، وتحقيق بعض الشركات قفزات ربحية تجاوزت بعضها 100% إلى 200% مقارنة بالفترة الماضية، وزيادة الشفافية والإفصاح عن المزيد من المعلومات عن أداء الشركات، كل هذا يعتبر عوامل إيجابية، ولكن ما حدث هو أن طفرة المؤشر لم يكن من الواجب أن تحدث في الفترة الحالية، فصعود المؤشر لمستوى 6400 نقطة قبل نهاية النصف الأول كان مبكراً، وكان الأولى أن يتم تدريجياً ولا يقفز بهذه السرعة، ولكن الذي جرى أنه هناك تداولات كبيرة جداً، والذي كان متوقعاً أن يحدث خلال الأشهر القادمة، فالصعود الحاد صاحبه نزول قوي جداً، ولم يكن أيضاً متوقعاً. وأرى إن شاء الله أن ما حصل في الأيام الماضية من تراجعات يعتبر كافياً لمرحلة التصحيح، وأن السوق سوف تبدأ التعافي الطبيعي اعتباراً من اليوم، فسوف يجد المستثمرون والصناديق فرصة في بعض الشركات، فلو تم إمعان النظر الآن في حجم التداول لشهر أبريل الماضي لسوق الأسهم والذي بلغ قرابة 167 مليار ريال فسوف يتم ضربها مرتين بصفتهما بائعاً ومشترياً؛ فإننا نخرج بحجم عمولات كبيرة جداً تورد لصالح البنوك المحلية، وشهر مايو الحالي التوقعات تشير إلى تجاوز الرقم 220 مليار ريال، ونفترض أن الشهر الأخير من الربع الثاني من العام الحالي سيحقق فيه مبلغ من 100 إلى 120 مليار ريال بعد التحفظ، فيصبح متوسط قيمة التداولات اليومية تقريباً في حدود 6 إلى 8 مليارات ريال في اليوم الواحد بدلاً من 13 مليار ريال. وبذلك أعتقد أن حجم قيمة التداولات قد يصل قرابة 500 مليار ريال بين بائع ومشترٍ، فنخرج برقم كبير يُقدَّر بتريليون ريال.
من جهة ثانية؛ فإن أرباح مؤسسة النقد العربي السعودي والبنوك السعودية تُقسَّم عليها حسابياً بواقع الضرب في العمولة الرسمية (0.0015)، ونفترض أن جميع البنوك المحلية تعطي عملاءها خصماً 50%، فالتحليل لذلك أن أرباح البنوك للربع الثاني من 2004م سوف تحقق 1450 مليون ريال قد تزيد أو تنقص قليلاً، فلو افترضنا أرباح البنك الأول من التداولات وبالتالي من العمولات تقدر بحجم 20% من تلك العمولات فسوف يحقق قرابة 170 مليون ريال إيرادات إضافية، والبنك الثاني يحقق قرابة 120 مليون ريال أرباحاً من العمولات الناتجة عن الأسهم المحلية.
فلو نظرنا للأرباح التشغيلية ككل للبنك الثاني الناتجة عن الفرق بين الفائدة والفائدة والاقتراض والاقتراض لا تصل إلى 100 مليون ريال في العام، وهو حقق أكثر من 100 مليون ريال من تداولات الأسهم، فهذا جانب إيجابي للسوق السعودي، وما يحدث حالياً لا يخرج عن عملية تصحيح متوقعة، وسيستوعبها السوق إن شاء الله.
فمثلاً البترول لا يزال في مستويات عليا، ويتوقع أن تحقق شركة سابك كمثال خلال الربع الثاني أرباحاً صافية تتراوح بين 2.4 مليار ريال إلى 2.6 مليار ريال، عكس الآلية السابقة لأرباح سابك والتي كانت فيها أرباح الربع الثاني أقل من الربع الأول، ولو افترضنا أن أرباح سابك للربع الثاني مماثلة للربع الأول فإن المحصلة تقدر بـ 4.7 مليارات ريال تحققها شركة في نصف عام، فالذي يحدث في السوق حالياً هزة مؤقتة، والبيع الجاري أغلبه يأتي من المضاربين وليس المستثمرين؛ لأن المضاربين معظم أموالهم مودعة في الشركات الصغيرة، فالاتصالات حققت 2.5 مليار ريال أرباحاً في الربع الأول 2004م. ونتوقع أن تحقق نمواً أفضل في الربع الثاني للعام الحالي مع تنامي خدماتها، إضافة لتزايد استخدام الخدمات في الصيف، وكذلك سهم شركة الكهرباء سهم قوي جداً في المضاربات، فلو لاحظت في تعاملات أمس الأول أن هناك رغبة شرائية لسهم الكهرباء والذي مثل حجم التداولات فيه قرابة ثلث تداولات السوق، فمثلاً هذه الشركات إضافة إلى سابك تمثل حجم الثقل في السوق، فتلك الأسهم يحدث فيها الصعود والهبوط؛ مما يؤثر على سلوك المؤشر؛ نظراً لما تمثله حجم القيمة السوقية لبقية الشركات في السوق، فسابك تعلو أرباحها لمستوى قياسي. وتصاعد أسعار النفط وبلوغه حاجز الـ40 دولاراً، إضافة إلى انخفاض عائد الفائدة إلى مستوى متدنٍّ 1.5% والذي لا يغري المستثمرين، فتلك العوامل مجتمعة سوف تساهم في رفع المؤشر إلى فوق مستوى 8500 نقطة، وبالتحديد في الربع الأول لعام 2005م عطفاً على عدة عوامل أيضاً مثل طرح أسهم البنك الجديد بسعر 50 ريالاً والذي يتوقع أن تتضاعف أسعار أسهمه فوق 100 أو 150 ريالاً، وسيتضاعف معه رأس المال 12 مليار ريال سوقياً، إضافة إلى طرح أسهم شركة الصحراء للبتروكيماويات والتي لم يطرح منها سوى 20% للاكتتاب، وبقية أسهم الشركة ليست للبيع، فلو صعدت 50% من سعر الشركة لتضاعفت القيمة السوقية، إضافة كما قلت إلى الشركات الكبرى مثل سابك والتي حققت خلال العام الحالي أرباحاً قياسية، إضافة إلى شركة الاتصالات الآن تحقق معدل 32 ريالاً على السهم نهاية العام مقارنةً بسعر الفائدة، فلو تم تقسيم العائد على السعر السوقي حالياً لأصبح العائد عالياً، وسعر السهم رخيصاً جداً، فمكرر الربح يصل إلى 16 - 17 مرة، وهذا يعزز حجم الإغراء لسعر السهم مقارنة بالأسواق العالمية وبالفائدة العالمية، فمن الأفضل أن أشتري سهم اتصالات ولا أودع الأموال في البنوك. وقد يعتذر البعض بعدم إقحام سيولته في الاتصالات لتخوفهم من المنافسة القادمة. ونضرب مثلاً في الكويت حينما دخلت شركة أخرى للمنافسة في سوق الاتصالات صعد السوق، وعم الصعود شركات الاتصالات الأصلية والمنافسة. ونلاحظ من جانب آخر نظرة البنوك تجاه التسهيلات، كل هذا يحفز السوق لتبدأ مرحلة الصعود، وخصوصاً مع استخدام البنوك لسياسة المنخل، والتي تعطي مساحة أكبر للمتعاملين في التفكير، بدلاً من سياسة الانجراف السابقة، إضافة إلى أرباح الشركات الجديدة، مثل أحد البنوك يتوقعون أن يزيد حجم ربحيته خلال العام الحالي عن رأس ماله 400 مليون ريال، وهي لأول مرة تحدث في تاريخ المملكة العربية السعودية. أضف إلى ذلك أن أرباح البنوك من تداولات الأسهم ضخمة جداً والتي تتجاوز مئات الملايين من الريالات، فالتداولات ضخمة جداً ناهيك عن عدم خروج الأموال الوطنية للبحث عن فرص في الخارج مع اهتزاز الثقة في الأسواق العالمية، فالمواطن السعودي واعٍ ويعرف أن الدولة حازمة في شأن الاقتصاد وتعزيزه، والآن -ولله الحمد- نعيش في فترة اقتصادية قوية، وسياسة الدولة المالية ممتازة؛ مما يساهم في تعزيز الثقة بين رؤوس الأموال والاقتصاد الوطني.
وقال الراجحي: إن صغار المتعاملين الذين اندفعوا للبيع يبحثون بالدرجة النهائية عن سلامة رؤوس أموالهم، فالمتداولون الذين تشاءموا قبل فترة عند نزول السوق، وحينما هوى المؤشر من 4500 نقطة إلى 3800 نقطة طغت حالة كبيرة من التشاؤم انعكست على آلية السوق، وبدأت الشائعات تظهر بأن المؤشر يتجه إلى 2200 نقطة نزولاً، وحينما صعد المؤشر إلى 6300 نقطة نجد نفس هؤلاء المتشائمين أقدموا على الشراء مرة أخرى حينما تجاوز المؤشر 6300 نقطة، وعادت روح التفاؤل، فالعملية النفسية للمضارب والحالة العامة للسوق تؤثر على قرارات المتداولين، فالهبوط الذي حدث مؤخراً أمر لا بد منه، فالذي حدث بالنسبة لي وللمضاربين حدث منطقي، فالوعي مطلوب ومهم لصغار المتعاملين قبل الإقدام على الشراء في شركة ما، فلا يمكن أن يبرر الصعود الحاد لشركة ضعيفة فيما يقوم صغار المتداولين بالشراء فيها، مثل هذه الشركات بكامل أموالهم، ثم إذا هوت بدأ يشتكي، فالمضارب الصغير لا بد أن يقيم محفظته بحيث إذا أراد الدخول في المضاربات أن يدخل بنسبة بسيطة لا تتجاوز 10 إلى 20% من حجم أمواله، ويضع بقية السيولة في شركات العوائد، بحيث إذا حصل لا قدر الله أي مكروه غير طبيعي يكون بذلك قد حفظ 80% من محفظته في شركات تعود عليه بهامش ربح جيد، إضافة إلى محدودية انخفاض أسعارها السوقية مقارنة بالشركات الهزيلة.
وتحدث الأستاذ إبراهيم الراجحي عن دور صناع السوق وقال بأن صناع السوق هم بالدرجة الأولى مضاربون يهمهم مصلحتهم الشخصية ويهمهم محافظهم، فإذا لم يستطع أن يمسك سهماً معيناً في حالة تداعي السوق ساهم في بيع أسهمه لأخذها مرة أخرى بأسعار أقل، ويمكن أن تنجح معه. وأعتقد أن أمس وأمس الأول فرصة لاقتناص أسهم بعض الشركات، سواء للمستثمر أو المضارب، فلو قارنا سعر أي شركة قبل أسبوع بأسعار أمس نجد أن حجم الانخفاض قرابة 30 إلى 40%، فاليوم (أمس) أعتقد آخر يوم للتسهيلات البنكية لاسترداد السوق عافيته.
وعن دور مؤسسة النقد العربي السعودي فيما يحدث قال الأستاذ إبراهيم الراجحي: إن مؤسسة النقد جهة إشرافية ورقابية لا تتدخل في خصوصيات البنوك، وخصوصاً في موضوع التسهيلات، ولكن للأمانة فإن دور مؤسسة النقد حالياً هو دور راقٍ وتسعى للمحافظة على آلية ناجحة للسوق بصفة عامة، وتبحث عن المتلاعبين في سوق الأسهم ويتم إيقافهم، وهي ساهمت في تفعيل السوق.
وحث الأستاذ إبراهيم الراجحي البنوك السعودية على وضع سياسة واضحة في تقييم الشركات المساهمة لأصحاب التسهيلات، مع وضع جدول زمني يترتب عليه القرارات الاستثمارية بالنسبة لحملة التسهيلات بدلاً من الإجراء المتخذ في التقييم المتغير مع آلية السوق، فالأفضل أن تقوم البنوك بالتعامل مع كل عميل على حدة وبشكل متأنٍّ بدلاً من إخطار جميع العملاء في يوم واحد يتغير فيه تقييم الشركات والذي يتسبب في دفعهم للبيع الفوري، فالقوي يبيع قبل الصغير؛ مما يسبب اهتزازاً في السوق، وهذا لن يُحسم قبل ظهور هيئة سوق المال والتي ننتظرها بفارغ الصبر؛ حيث يعد سوقنا ضخماً ونحتاج للمزيد من الشفافية، وخصوصاً أن السوق وصلت فيه السيولة قرابة 14 مليار ريال؛ مما يدخل سوقنا بالمرتبة الثانية عشرة على مستوى أسواق المال العالمية.
والعام الماضي كان في المرتبة العشرين، وأتوقع خلال الأيام القادمة أن يرتفع حجم التداولات في السوق، وخصوصاً خلال الشهرين القادمين، ليتراوح بين 22 و23 مليار ريال في يوم واحد، وعرض النقود في المملكة أعلى معدل عرض نقود مع انخفاض سعر الفائدة العالمية وارتفاع صادرات المملكة من الصناعات والبتروكيماويات والبترول.
وبالنسبة لنصيحتي لصغار المتداولين فهي العمل على تنويع محافظهم، وإن كان هناك رغبة للمضاربة فلا تزيد على 20% من رأس المال في الشركات الصغيرة و80% في شركات العوائد، كما أنصح صغار المتعاملين الذين اشتروا أسهماً صغيرة بأسعار عالية أن يقيموا أداء تلك الشركات ومحاولة البحث عن فرص أفضل لتعويض خسارتهم من السوق بدلاً من حسم أمرهم بالبيع والخروج من السوق حاسري اليدين، فالحمد لله المعطيات للسوق السعودي قوية جداً وتدعم التوجه للاستمرار في التحسن في المستقبل، ومن المتوقع أن تقود السوق خلال الفترة القادمة الشركات الكبرى ذات العوائد المتنامية مثل قطاع المال، وفي مقدمتهم شركة الراجحي وشركة سابك والاتصالات وقطاع الأسمنت بلا استثناء وشركة الأسمدة وشركة الكهرباء المقبلة على التخصيص، إضافة إلى المستحقات التي لها وستنتهي بمقاصة قريباً، والبحري الذي حقق أرباحاً في الربع الأول فوق 100 مليون والذي يتوقع أن يدخل في نطاق شركات الاستثمار بحيث تقل العروض؛ مما يرفع قيمة السهم، وكذلك الجبس والذي يعد استثماراً جيداً.
كما تحدث الأستاذ إبراهيم الراجحي عن الشائعات التي مع الأسف تدور حول الشركات الصغيرة التي تحدث عليها المضاربات والتي لها دور سلبي على قرارات المتداولين وآلية السوق، ولن يقضي عليها إلا الاستمرار في الشفافية من قِبَل مسؤولي الشركات لبتر هذه الشائعات الفاسدة، ومع الأسف فإن الشفافية الآن ضائعة، فالحل في سرعة تدشين سوق المال، فمنتديات الأسهم مع الأسف ساهمت في بلبلة السوق، فحينما تصدر شائعة عبر المنتدى يطلع عليها آلاف الأشخاص، وبالتالي يندفع أغلبهم في الشراء أو البيع؛ مما يساهم في دفع السهم صعوداً أو هبوطاً بشكل آلي، وآمل من صغار المتداولين ألا يعتمدوا على معلومات المنتديات؛ فهي تؤثر على سلوك المتداولين، وهي مضرة لمحافظهم وقراراتهم الاستثمارية.
|