Wednesday 26th May,200411563العددالاربعاء 7 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاقتصادية"

رأي اقتصادي رأي اقتصادي
محاولات أمريكية ذكية للسيطرة على العالم
د. محمد اليماني

لا أحد يستطيع أن ينكر - بموضوعية - أن الولايات المتحدة الأمريكية بإدارتها الحالية تسعى للسيطرة على العالم ؛ مدفوعة في ذلك بعقدة سياسية واقتصادية وفي أحيان أخرى بعقيدة دينية أيضا . وهي في سعيها ذلك تتبع أساليب وطرائق شتى قائدها المقولة الشهيرة : الغاية تبرز الوسيلة . وإلى جانب الأساليب التقليدية المعروفة الواضحة هناك أساليب خفية بعض الشيء تمارسها على الدول التي تظهر لها الصداقة والود وتبطن لها خلاف ذلك . وليس بخاف على المتتبع الحرب الاقتصادية التي تشنها على بعض الدول ، بهدف إضعافها اقتصادياً وربطها بعجلة الاقتصاد الأمريكي .
لكن ما قد يخفى هو ابتكارها لتطبيقات معاصرة لبعض أشكال السياسات القديمة التي تتمثل في فكرة الشراكة الاقتصادية والتجارية بين أمريكا ودول الشرق الأوسط أو بعضها . وترتكز هذه الفكرة على إنشاء شراكات بينها وبين الدول بشكل منفرد ورفضها التعامل معها على أساس أنها كتل سياسية أو اقتصادية على الرغم من كونها كذلك .
وقد أعلنت ذلك صراحة في المكسيك لدول مجلس التعاون الخليجي وأصرت على أن يكون التعاون وربما الشراكة لاحقاً على أساس ثنائي بين أمريكا وكل دولة على حدة . الأمر الذي أضعف بشكل كبير الموقف التفاوضي لدول المجلس أمام دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تفاوضه على أساس أنها تكتل واحد ، ومن ثم أصبحت دول الاتحاد الأوروبي تطالب بما تصر عليه الولايات المتحدة الأمريكية .
وعلى الرغم من كون دول المجلس لا تشكل تهديداً لأمريكا في حال التعامل معها على أساس أنها كتلة واحدة ، إلا أنها تصر على موقفها وذلك رغبة منها في إضعاف جميع أشكال التكامل والتعاون الاقتصادي بين دول المجلس ، وجعل العلاقات الاقتصادية بينها قائمة على أساس التنافس وتضارب المصالح ، لا على أساس التعاون واتفاق المصالح . وهدف آخر أكثر وضوحاً هو جعل هذه الدول تابعة اقتصادياً وتجارياً للاقتصاد الأمريكي ، ذلك أن ما تدعو إليه أمريكا لا يمكن وصفه بالشراكة ، وإنما هو في واقع الأمر تبعية تعززها ضخامة الاقتصاد الأمريكي وصغر حجم الاقتصادات الأخرى وما يملكه من أدوات وآليات يستطيع من خلالها معاقبة العاصي ومكافأة المطيع وردع المتمرد ، علاوة على الإصرار على التعاون مع الدول على أساس ثنائي .
تقول أدبيات الاقتصاد : ان الشراكة الاقتصادية والتجارية على الطريقة الأمريكية تولد اعتماداً شبه كامل لطرف على طرف آخر وتربط هياكله الاقتصادية والإنتاجية به بشكل كبير جداً ، وتعيق قيام تعاون اقتصادي مجد بين الطرف الضعيف وأطراف أخرى . ونتيجة لذلك تبدأ الهياكل الاقتصادية والإنتاجية في البلد الصغير في التشكل والتحول لتكون متوائمة للتعامل والتناغم مع ما هو موجود في البلد الكبير ، ويبدأ الأول في استيراد معظم ما يحتاجه من الثاني إن لم يكن كله ، ويتحول أيضا اتجاه صادرات البلد الصغير ليتجه نحو البلد الكبير ، وهو ما يؤثر تبعاً على أنماط الإنتاج المحلية .
ولإخفاء الجانب القبيح ولتكريس التبعية في نفس الوقت تعرض أمريكا مجموعة من التفضيلات والتسهيلات الاقتصادية والتجارية والسياسية للبلد الشريك والتي ستصبح فيما بعد الرابط بين اقتصاده والأجهزة التي تبقيه على قيد الحياة وبدونها لا يتمكن من العيش طويلاً .
ومن المؤسف جداً ألا يعي كثير من متخذي القرار عواقب بعض القرارات ويتصورون آثارها السلبية على أنها مكاسب أو يصورونها كذلك.
تابعت قبل فترة أحد المسؤولين في دولة لا يزيد عدد سكانها على سكان ضاحية مدينة أمريكية كبيرة ، تحدث فيها عن المكاسب المتحققة من الشراكة بين بلاده وأمريكا . وضرب لذلك مثالاً بإنشاء مصنع للملابس المصنوعة من (الجينز) يصدر إنتاجه لأمريكا . والسؤال ماذا سيصنع ب (بناطيل الجينز) التي ينتجها إذا لم تعجب المستهلك الأمريكي وهو في بلد لا يلبس أهله الجينز ؟! ربما سيقوم بتغيير أنماط الاستهلاك مثلما تغيرت أنماط الإنتاج ، وربما سيشجع المواطنين على السياحة في أمريكا ؛ ليتمكنوا من لبس الجينز الذي ينتجه المصنع الوطني وفي ذلك تعميق لمفهوم الشراكة.
ومن باب العدل وقول الحق ، فإن الأمريكيين يتميزون على العرب بكون قراراتهم مبنية على أسس علمية ودراسات وأبحاث معمقة ، في حين أن العرب لا يكلفون أنفسهم عند اتخاذ قراراتهم عناء قراءة أو استرجاع ما هو موجود بالكتب الدراسية ، فضلاً عن إجراء الدراسات المتخصصة . وربما كانت سخرية العربي القديم من مصدر التمر إلى هجر كافية في حالتنا هذه ؛ لتبيان المكاسب التجارية المأمولة من تعاون اقتصادي يولد مثل هذه النتائج ويضع مفاتيح الاقتصاد الوطني بيد الأعداء .


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved