قبل خمسة أسابيع من تسليم (السلطة) للعراقيين وقبل خمسة أشهر من انتخابات الرئاسة التي قد يفقد فيها بوش (السلطة) في واشنطن حاول بوش أن يجمِّل مشروعه الديمقراطي في العراق، الذي يعد المرحلة الأولى لما يعتبره المحللون في التوجه الأمريكي لإعادة ترتيب النظام العالمي الجديد وفرض الديمقراطية الأمريكية في مختلف دول العالم على أساس الضغط المتزايد دون الأخذ في الحسبان حقيقة تعدد وتنوع الخصائص الدينية والقومية والتاريخية والوطنية للشعوب ولكل دولة.
ولقد تبين الأمر بوضوح أثناء المشاركة الأمريكية في عمليات فرض الإصلاحات الديمقراطية الغربية بالقوة على دول البلقان وأفغانستان والعراق التي أفرزت العديد من النتائج السلبية أخطرها زعزعة الأمن والاختراق بعيد المدى لمصالح الشعوب والقوميات والأقليات في تلك البلدان.
ولقد اختارت إدارة بوش للعرب ضمن هذا التوجه مشروعاً معلباً أسمته مبادرة الشرق الأوسط الكبير الذي يرى فيه المراقبون إصراراً أمريكياً على وضع الشرق الأوسط تحت الهيمنة والإشراف المباشر من خلال فرض الديمقراطية الغربية وهو ما ينسجم تماماً مع مصلحة إسرائيل ومخططاتها.
ويذكر المراقبون أن المشروع الأمريكي ما هو إلا المشروع الذي قدمه رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ورئيس حزب العمل الحالي شيمون بيريز قبل أكثر من عشرة أعوام، ودون شك فإن دخول المشروع الأمريكي الإسرائيلي حيز التنفيذ يعني بالنسبة للإسرائيليين حصولهم على ورقة جديدة قوية تسهل لهم وبكثير من الإمكانيات ممارسة المزيد من الابتزاز ضد القادة العرب والدول العربية وخاصة ذات العلاقة بعملية السلام، من خلال تغييب دورها وإضعافه من خلال بروز دول وقوى أخرى وهو ما يؤدي بالتالي إلى تأجيل وحتى إلغاء مفاوضات إعادة الأراضي العربية المحتلة سواء في لبنان أو سوريا أو فلسطين وإبقائها تحت سيطرة الإسرائيليين.
وقد أوكلت واشنطن لأطراف دولية إقليمية لتنفيذ هذا المشروع (المعلب) فبالإضافة إلى الكيان الإسرائيلي وافقت تركيا على مقترح واشنطن بأن تقوم بدور بارز في تنفيذ هذا المشروع بحيث تكون نموذجاً للدول الإسلامية والعربية في كيفية استيعاب الإصلاحات والديمقراطية الغربية مقابل توسيع نطاق المساعدات الأمريكية لأنقرة لتعزيز قواها العسكرية والسياسية والاقتصادية للسيطرة على المنطقة وحوض البحر الأبيض المتوسط وإغماض عين واشنطن عن مساعي تركيا التوسعية ورغبتها في إعادة ترتيب حدودها مع سوريا والعراق. وتفيد المعلومات ان أنقرة وواشنطن تخططان لإنشاء مركز دائم للحلف الأطلسي في تركيا لتقديم المساعدات الفنية والاستشارية للشرق الأوسط الكبير لتحديث جيوش دوله ومعداتها وأن يكون هناك حضور ومشاركة كبيرة لتركيا ودول الحلف عبرها في اقتصاديات المنطقة.
|