**حوار حسن محني الشهري - صالح عبدالله الخزمري:
ما إن تجلس معه حتى يأخذك إلى عوالم جديدة ومبهرة.. فهو دائماً صاحب أفكار متجددة.. ويحمل هموما ثقافيا كبيرة. وحين كرمته دار الأوبرا المصرية اعتبر أن هذا التكريم هو لكل الأدباء في المملكة، فهو يعترف بأنه من نسيج المملكة وأحد أبنائها الملقى عليهم عبء الفكر والتطوير. وبقدر ما هو شاعر فهو صحفي يشعر بأمانة الكلمة وأهميتها في تنمية وتطوير الأفكار العربية.. وهذا هو توجهه، ويعتبرها رسالته الشخصية.. وهو ينظر في الأفق البعيد بصفته رئيس المركز العربي للثقافة والإعلام والتي يحلم بأن تكون الثقافة هي الوحدة الحقيقية للأمة العربية.
يتحدث الأستاذ عبدالله الخشرمي عن آخر إبداعاته الشعرية وأحلامه الثقافية ودار النشر التي أسسها لتسهم في الإبداع العربي، وكذا تصوراته الإعلامية.
إنه الأستاذ عبدالله الخشرمي الشاعر والصحفي والإعلامي وصاحب دار النشر المعروفة، فإلى هذا الحوار:
** المركز العربي للثقافة والإعلام خطوة في طريق تطوير آلية الثقافة والإعلام.. كيف تنظرون لهذا المركز الذي تقلدتم رئاسته؟
- المركز نتيجة لجهد جمعي لنخبة من المثقفين والإعلاميين العرب، والمركز يمثل حلماً كبيراً لهؤلاء المثقفين والإعلاميين في مشروع عربي يمثل الأخوة العربية في أعلى درجاتها، وترجمته عملياً إلى مشاريع ثقافية وإعلامية حية يحتاجها المواطن العربي وهذا الجيل بالذات، جيل الشباب الذين نريد أن نبذر فيهم قيم الانتصار للثقافة والوعي؛ لأنهم هم الرهان حتى لا يدخلوا نفق الهزائم المتوالية التي لحقت بجيلنا وأجيالنا السابقة.
وإذا كانت الثقافة هي الرهان الأخير بعد الاخفاقات السياسية والاقتصادية في عالمنا العربي، وبعد أن تشبعنا ببالونات الشعارات والهموم الكبيرة التي لم تفض إلا إلى فراغ يولد فراغا بكل أسف، فاعتقد أن الثقافة هي رهاننا الأخير وجدالنا الأخير الذي نعتقد أنه من خلال الثقافة يمكن إنتاج كافة أنواع الصيغ التكاملية الجادة من اقتصاد وسياسة وغيرها، والمستمدة من جذور وقناعات ومصالح شعوبنا العربية.
فهذا المركز العربي يحمل هماً ثقافياً غير مؤدلج، ولا يحمل أي صيغة تصادمية لا مع الداخل ولا مع الخارج،بل يحمل خطاباً متسامحاً شديد الوعي بقضايا أمته، وشديد الوعي والحرص على أن تصل رسالته بشكل موضوعي متزن، والهدف من ذلك هو أن تشعر كل دولة، بل حتى الحكومات، أن أهداف المركز تصب في إهدافها وأحلامها المؤجلة ولا تتعارض البتة مع القيم الوطنية والعربية والإسلامية.
** وهل هناك جهات معينة تدعم هذا المركز؟
- انطلق المركز بجهود مؤسسية، وبجهود ذاتية، والدعم مفتوح في المستقبل لكل من يؤمن بهذه الأهداف التي اختطها المركز.. وفي نفس الوقت يرفض المركز رفضاً قاطعاً أي اشتراطات مسبقة من قبل أي جهة لتمويل المركز.. فالمركز أهدافه معلنة وتمويله واضح، وتجده على شاشات الإنترنت، فليس لدينا شيء نختبئ خلفه، وكما هو واضح في استراتيجيات المركز وبنوده ستجد هذا الشيء، ومن خلال موقعنا على الإنترنت تستطيع أن تعرف كل شيء يتعلق بهذا السؤال.
** وما البرامج الأولية لهذا المركز؟
- من أهم البرامج الثقافية العملية التي بدأ المركز في الإعداد لها هي إقامة الفعاليات العربية في عدد من الدول العربية ونسميها (الأيام الثقافية العربية).. هذه الأيام تهدف إلى إقامة أنشطة ثقافية وإبداعية في كل دولة عربية، تبرز الوجه الثقافي والحضاري لكل دولة، وسوف يكون ذلك تحت مظلة المركز لهذه الفعاليات، أي أنها ستنقل هذه الفعاليات الثقافية إلى مختلف الأقطار العربية بمختلف الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، وبالتالي فأنت تقدم وجه كل قطر عربي لكافة الأقطار العربية ليروا نماذج حضارية ومبدعة لاشقائهم، وهذا يكرس التلاحم الثقافي بين الأقطار العربية.
فهذا المركز جسر للتواصل الثقافي بين الشعوب العربية، ويمثل في نفس الوقت الهدف الذي أنشئ من أجله وهو تكريس وتقوية لحمة الأمة العربية من خلال جسر ثقافي يعد الأعمق والأبلغ في التعبير عن قيمة الوحدة المنشودة والمغيبة بكل أسف.
ومن المقرر أن نظام الفعاليات في كل قطر لمدة ثلاثة أيام، كما أنه يوجد من ضمن هذا الملتقى مشاركة أعضاء فاعلين في المركز خصوصاً من النخب الإعلامية من مختلف الأقطار العربية، ترصد وتقدم للمواطن العربي عبر منابرها الإعلامية هذه الفعاليات، وبالتالي فهم يأتون لخدمة الثقافة في هذه البلدان من خلال نقل الصورة الجميلة المبدعة، وهذه الفعاليات لسائر الوطن العربي.
** كُرِّمتم مؤخراً من دار الأوبرا المصرية (كأول أديب سعودي).. ماذا يعني لكم هذا التكريم؟
- أنا أعتز بذلك، ومن أهم المناسبات الأدبية في حياتي كون دار الأوبرا المصرية تكرم أول أديب سعودي في الأوبرا وفي هذه الاحتفالية الجميلة التي كانت فعلاً ذات أثر كبير حتى في مسيرتي الشعرية بكاملها، وكان لها حضورها المؤثر.. واعتقد أن هذا التكريم هو تكريم للأدب وللأديب السعودي وتكريم للأدباء في السعودية، ففيها الكثير ومنهم أفضل مني وأنا أعتبر هذا التكريم لي ولهذا الوطن الجميل الذي أعطانا وغرس فينا روح الإبداع بمختلف أضداده وتجاذباته، واستقينا منه الإبداع بصدق ووضوح التجربة الإنسانية.
فهذا التكريم هو منعطف مهم بالنسبة لي خاصة وأنت كمبدع تُنصف وتُكرم في خارج وطنك, وإن كانت مصر هي وطني الثاني بكل تأكيد، لكن خارج الوطن الذي نشأت فيه، فاعتقد أن هذه لمسة مهمة جداً، وعلينا كمبدعين سعوديين -واولا واخيرا كعرب- ان نكرس مواهبنا خارج حدودنا؛ لأنه في تصوري أن الأدب والإبداع والثقافة هي أعظم سفير مؤثر في عقلية الأمة العربية، ومثل هذا التواصل والتكريم هو أيضاً تكريس للتواصل الأدبي (العربي - العربي).
وأتمنى إن شاء الله أن يكرم الكثير من مبدعينا في هذا الموقع وغيره.
** ديوانكم الجديد يحمل خلاصة تجربة وعمر، فهل تعتبرونه امتداداً للماضي، أم اختلافاً عن تجارب عمرية سابقة؟
- الديوان الأخير (تحولات الزمن اليحضور) في تصوري أنه إذا لم آتِ بجديد فلا داعي لإصدار عمل شعري من الأساس، ولا أعتقد أنه من المنصف -على الأقل- لقناعتي شعرياً أن أقدم ديواناً فيه ما يتميز به عما قبله.
وأعتقد أن أي عمل شعري مثل هذا الديوان يتجاوز سابقه، فهذا الديوان أتمنى أن يكون نقلة لتجربتي الشعرية وأن يكون معبراً حقيقياً عن هذه الارتطامات وهذا التحول الخصب أملاً وألماً في ذاتي وينعكس على ذائقة الديوان برمته.
** يوماً ما تعرضتم لهجوم حول منهجكم الشعري على اعتبار أنه شعر يحمل بين السطور ما يمكن أن يفسر عكس الظاهر.. فهل ولَّت هذه المرحلة؟ ولماذا؟
- الهجوم حسنة عندما يكون موضوعياً ويتحول إلى نقد، لكن الذين يعملون بالظن ويجتزئون من قصيدة فاعتقد أن في ذلك قدراً من الإجحاف.
إن من ميزات الشعر الحديث أنه يعتمد على الرمزية، وإذا كان النص لا يُقرأ إلا بصورة واحدة وبمعنى واحد، فأنا أعتبر ذلك النص باهتاً ومظلماً يأخذ سياق المقالة والبيان الصحفي، ولا يحمل أي ملمح شعري، ونص لا يفصح إلا عما تفصح عنه أي مقالة نشر سيارة في أي جريدة عادية، والشعر بلا هواجس بلا براكين بلا غموض (الغيوم) هو مثل الغبار الذي يأتيك دونما رذاذ مطر.
فأعتقد أن الرمزية في الشعر -وإن كانت بارزة في الحداثة الشعرية للمتنبي على سبيل المثال، وكذلك في حداثة إبي تمام الشعرية- تؤكد ما ذهبت إليه، وذهب إليه قبلي عشرات النقاد من الآمدي إلى أدونيس وجابر عصفور والغذامي وغيرهم.
فالشعر الحديث -الذي وجد في الثمانينيات والتسعينيات- يحمل تمرداً على مناهج الأقدمين (المقولبين) الذين يعتقدون أنه يمكن قولبة الشعر في مناهج معينة في الرثاء والهجاء بافصاح واضح و(فاضح).. هذا التشخيص الدكاكيني انتهى في الشعر الحديث، وانتفاؤه هو سبب حضور الشعرية الحديثة الكثيفة في ذاكرة المتلقي العربي عن القصيدة الحديثة لتجاوزه لكل متاريس (النظام) ومجترى الصور الكلاسيكية القديمة!!
|