إن الشموس إذا ما رمتها أشرقت عليك من فجاج الأرض.. وقد لا تلقي لها بالاً في تسيارها الطبيعي.. ولكن عندما تحتجب، ويشح الضوء، يدرك المرء أن ذلك الضياء الذي كان يمور حوله لم يكن محض صدفة ولا بفعل مجهول هوية.. إنه تيار متصل من العطاء والبذل والنخوة والشهامة والرجولة الحقة.. فلابد أن يكون لمثل هذا الباذل عنوان.. حقاً لقد كان لتلك الشمائل عنوان ثابت لدى فقيدنا الغالي الأستاذ فهد العلي العريفي (رحمه الله).
كان فهد العريفي من النشامى الذين يترفعون عن الصغائر، تجده قريباً منك في الوقت الذي تذكره في نفسك.. يطل عليك فجأة بابتسامته الودود، يسأل ويطمئن على اصدقائه اينما كانوا.. يتحلل سريعاً من التزاماته الكثيرة، وشواغله الجمة، ليعود حبيباً في مرض أو يواسي صديقاً في مصاب ألم به، أو يؤازر أخاً في فرح أدخل البهجة إلى داره.. إنه فهد العريفي (رحمه الله).. ذلك الإنسان الذي يحمل هموم وأفراح محبيه في كل مكان ويضعها في أول قائمة اهتماماته.. لم يكن في تعاملاته الاجتماعية (فئوياً) ولا (مناطقياً) ولا (انتقائياً).. بل كان (إنسانياً)، ينطلق من قاعدة المحبة العريضة التي تجمعه بكل من يمحضه الود والإخاء، بغض النظر عن أصله وفصله ومكانته الاجتماعية.. لذلك كان موعده (الجنائز) ليرسم لنا بعد غيابه لوحة فريدة في الحب المطرز والموشى بالدموع التي استهلت من كل من عرف ذلك (الإنسان) الكبير روحاً، وعقلاً، وفكراً، وأدباً، وخلقاً، وسماحة، ونقاء.
استاذنا فهد العريفي كان ممن يحرصون على مساعدة الآخرين في صمت عجيب، يمشي في حاجة إخوانه.. تلك هي الروح التي كان يتفاعل بها من خلال علاقاته الإنسانية مع الناس كافة.. وكما عرفته لم يضمر شراً قط لأحد مهما كانت درجة الخلاف، بل كان يسعى دائماً بالخير وإليه ومعه وبه.
ورغم ظروف مرضه الأخير إلا إنه ينهض بأعبائه الاجتماعية ومسؤولياته الأدبية والثقافية بكل ما يملك من طاقة، ولم يضن على أي مشروع ثقافي بسديد رأي ومساهمة ترقى به وتنفع الناس.. كما تخرّج من بين يديه جيل من شداة الأدب والصحافة، فكان يحرص على منحهم اقصى ما يستطيع من رعاية وعناية وخبرة اكتسبها عبر سنوات طويلة في العمل الصحفي.. لقد محضني شخصياً كثيراً من النبل فكم رأيته زائراً يتفقدني في مرضي أو في مصاب لعزيز على قلبي، تراه أمامك بوداعته ولا تملك إلا أن تتمنى أن تكون المثيل..
لقد طوق عنقي بفضل عزيز.. وعملة نادرة.. في أيامنا التي لا أعرف أين نقف منها.. يكفي أنها كانت للناس، سعيداً بالخير، عفاً في تصرفه، وقوله.
سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يتغمد فقيدنا الكبير بواسع رحمته، وأن يدخله جنان الخلد مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. وأن يعوضنا في مصابنا، ويلهمنا وذريته وآله ومحبيه الصبر وحسن العزاء.
|