Wednesday 26th May,200411563العددالاربعاء 7 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

أمريكا وبريطانيا تسعيان للتشبث بمظلة الأمم المتحدة لترميم فشل سياسة احتلالهما للعراق أمريكا وبريطانيا تسعيان للتشبث بمظلة الأمم المتحدة لترميم فشل سياسة احتلالهما للعراق
د. عبد الله بن سالم الزهراني

لقد بنت الولايات المتحدة قرارها بغزو العراق واحتلاله على معلومات خاطئة . ولكنها في نفس الوقت كانت مبيّتة النية لغزو العراق واحتلاله مهما كانت نوعية المعلومات . اليمين المحافظ الذي وصل إلى البيت الأبيض بقيادة الرئيس بوش الابن رسم سياسة تفصيلية لما سيكون عليه الحال في منطقة الشرق الأوسط خلال فترة رئاسته الأولى . واستعان في ذلك بمهندس الهيمنة العسكرية رامسفيلد وزير الدفاع ، وكذلك بنائبه دك تشيني الذي كان وزيرا للدفاع في عهد والده والذي بقي في حلقه غصة منذ حرب الخليج الأولى تمثلت في عدم الاطاحة بنظام صدام . ونصّب رايس مستشارة للأمن القومي كداعمة ومرددة لما يقوله بوش ومفسرة له حتى لا يكون فيه لبس ولا غموض . أما باول فغرق في طوفان التشدد وجرفه التيار الذي لم يستطع مواجهته ولا الخروج منه ، وفقدت وزارة الخارجية الأمريكية بريقها حيث سحب العسكر البساط وغاب العقل والفكر السياسي في معالجة الأمور الخارجية ، وتمثل ذلك في قضية فلسطين وقضية العراق .
لقد كان التشدد والانحياز الكامل للكيان الصهيوني واضحا وجليا لا لبس فيه ، منذ تولي الرئيس بوش الابن سدة الحكم في البيت الأبيض . وبدأ يتصرف في مساندة هذا الكيان بشكل لم يسبق له مثيل من أي رئيس لأمريكا . كل رؤساء أمريكا السابقين ومنذ بدء قضية فلسطين ووعد بالفور يساندون الكيان الصهيوني ، ولكن كان هناك دائما مجالا للأخذ والعطاء والتفهم أحيانا للمطالب العربية . أما الرئيس بوش الابن فبدأ بسد باب الحوار مع قمة السلطة الفلسطينية المتمثلة في الرئيس عرفات . وسار على خطى شارون في رفض الحوار مع الرئيس ياسر عرفات .
الأصل في حل الأزمات السياسية هو الحوار والحلول الدبلوماسية وليس تجييش الجيوش وإعلان الحرب . الولايات المتحدة لم تؤمن بهذا الحوار مع النظام العراقي السابق ، وإنما استظلت بمظلة الأمم المتحدة ولم تحد عنها في التعامل مع العراق منذ عام 1990م . ولكن المؤكد أنه إصرار غير مسبوق تبنته الولايات المتحدة في أن ينفذ العراق كل قرارات الأمم المتحدة . ورغم استجابة العراق وبنسبة كبيرة لقرارات الأمم المتحدة ، إلا أن امريكا كانت وخلال اثني عشر عاما تتحرش وتضع الشروط التعجيزية في تنفيذ تلك القرارات . بل وتقوم من جانب واحد باستخدام القوة لتنفيذ تلك القرارات بل العمل على تعجيز العراق عن تنفيذها . ضُرب العراق عام 92 م وضُرب العراق عام 98 م وقُسِّم العراق إلى ثلاث مناطق دون الرجوع للأمم المتحدة . كان العراق يقول بأنه أصبح خاليا من أسلحة الدمار الشامل . وكان الأمريكيون يصورون ويسرحون ويمرحون في سماء العراق ويدعون وجود تلك الأسلحة . انتهى الأمر بغزو العراق من أجل ذلك الادعاء بوجود تلك الأسلحة الفتاكة ولم يتم العثور على شيء حتى تاريخه . وكان هذا الغزو بدون قرار من الأمم المتحدة وبدون موافقة الغالبية العظمى من دول العالم ، وبدون موافقة نسبة لا يستهان بها من مجلسي الشيوخ والبرلمان في بريطانيا وأمريكا ومعارضة نسبة كبيرة لا يستهان بها من الرأي العام الأمريكي والبريطاني وغالبية الرأي العام العالمي .
وبعد أن انكشف زيف الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل ، لجأت أمريكا الى العزف من جديد على وتر الارهاب والادعاء بأن العراق أصبح الجبهة الأولى للإرهاب . وعندما احست ببدء غوص أقدامها في وحل المستنقع العراقي لجأت للأمم المتحدة ، واستصدرت قراراً يعترف بالاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق ويحدد مسؤوليته في النواحي الأمنية وغيرها . ولكن بدأ الخناق يضيق على السياسة الأمريكية حيث لم يتحقق من الوعود الأمريكية للشعب العراقي أي شيء . لم يستتب الأمن ولم يتحقق الرخاء ولم توجد الديمقراطية ، ولم يهنأ الأمريكيون في أي يوم بنجاح عسكري أو سياسي في العراق .
حاولت أمريكا صرف أنظار العالم عن فشلها في العراق بطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير والدعوة إلى الإصلاح . وأرسلت الوفود وما زالت مصرة على هذا المشروع .
أي مشروع تتحدث عنه أمريكا وسياسة الإصلاح والوعد بالديمقراطية فاشلة حتى الآن في العراق ؟
أي إصلاح تتحدث عنه أمريكا وهي تنوي سلب العراقيين قرارهم على المستوى البعيد ؟
أي ديمقراطية وإصلاح وهي تنوي وضع حكومة مؤقتة مسلوبة الإرادة في العراق بحلول الثلاثين من جون ؟
أي إصلاح تتحدث عنه أمريكا وهي تنوي البقاء في العراق لأطول مدة ممكنة وعدم النقاش في أي جدول زمني للانسحاب؟
أي إصلاح تتحدث عنه أمريكا في الشرق الأوسط وهي تقتل العشرات من العراقيين كل يوم نساء وأطفالا وشيوخا ، وتستخدم عدتها وعتادها الثقيل دون هوادة ؟
أي إصلاح وهي تقتحم المساجد وتقتل الأبرياء ؟
أي إصلاح وهي ترفض الحوار والتشاور مع أصحاب الشأن ؟
إن طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير والإصلاح هو مشروع حق أريد به باطل ، الإصلاح أمر مطلوب لدى كل الدول العربية دون استثناء . الإصلاح مطلب جماهيري لكل شعوب البلدان العربية ، ولكنه مرفوض من كل هذه الشعوب إذا تم بالطريقة الأمريكية . الوطن العربي لا شك أنه بحاجة إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ودون تباطؤ فيه ، ولكن بطريقة ملائمة لأوضاع الدول العربية وتكوينها الاجتماعي والثقافي .
إن هذا المشروع لن يغطي على فشل السياسة الأمريكية في العراق ، ولن يحول الأنظار عنها ولن يخفف من زيفها بل سيدعم فشلها ويلغي مصداقيتها.
ولعل مما دعم هذا الفشل الذريع هو تلك الممارسات الإجرامية وغير الأخلاقية التي انتهجها الجنود الأمريكيون ضد السجناء رجالا ونساء في السجون العراقية . إن هذه الممارسات ليست فردية من جنود وأفراد محدودين وإنما هو أمر مخطط له وعلى أعلى مستوى . إن تلك الممارسات التي ربما لم يحصل لها مثيل في العالم هدفت إلى النيل من كرامة العراقيين ، واستغلت إمكانية عدم البوح بها في مجتمع شرقي سواء من قبل الرجال أو النساء . ومهما كان الهدف من وراء تلك الممارسات سواء كان انتزاع اعترافات أو النيل من كرامة العراقيين أو الانتقام ، فإنها أكدت على جوانب عديدة متعلقة بالسياسة الأمريكية :
الجانب الأول : انحدار المستوى الأخلاقي لدى المؤسسة العسكرية الأمريكية والبريطانية إلى أدنى مرتبة ؛ لأن هذه الممارسات لا تحدث في اقل المؤسسات العسكرية تدريبا وانضباطا .
الجانب الثاني: انهيار المصداقية في السياسة الأمريكية تجاه العراق . فلم يعد أحد يصدق أن امريكا تنوي خيرا ورخاء وأمنا للعراق . ولم يعد أحد يصدق أن أمريكا تنوي خلق ديمقراطية في العراق . ولم يعد احد يصدق أن امريكا تنوي وضعا مستقرا للعراق . ولم يعد أحد يصدق أن أمريكا تنوي جعل العراق أفضل مما كان عليه الحال في عهد النظام العراقي السابق . أمريكا اقتادت الآلاف دون توجيه التهم لهم وأودعتهم السجون . وقد وصل التعذيب في انحداره الأخلاقي إلى ما وصل إليه على أيدي الأمريكيين والبريطانيين .
الجانب الثالث : هو الخلل الكبير الذي أصاب الديمقراطية الأمريكية في عقر دارها . لم تعد تلك الديمقراطية الأمريكية في السياسة الأمريكية إلا شكلا وليست جوهرا . إن ما حدث في سجن أبو غريب وغيره من السجون العراقية كشف بجلاء هذا الخلل . ففضيحة أبو غريب ليست بالأمر السهل من الناحية السياسية والناحية الأخلاقية ، ورغم ذلك ورغم تحمل رامسفيلد المسؤولية كاملة ورغم المحاكمة الصورية لكباش الفداء ، إلا أنه لم يستقل ولم يستقل قائد القوات الأمريكية ولم يستقل قائد القوات في العراق ولم يستقل رئيس المخابرات . بل ان الرئيس الأمريكي ظهر في حديث متلفز وفي دفاع مستميت عن وزير دفاعه .
أصبح الاعتراف بتحمل المسؤلية طوق نجاة لمرتكبي الأعمال الوحشية والإجرامية وأصبح تحمل المسؤلية عبارة خالية من المعنى . إن هذا هو حال السياسة الأمريكية وحال الديمقراطية التي تنوي أمريكا تصديرها وتفصيلها لبلدان الشرق الأوسط الكبير .
إن ما يدور هذه الأيام في أروقة البيت الأبيض وفي أروقة الأمم المتحدة هو هروب من الفشل الذي منيت به السياسة الأمريكية في العراق . إن أمريكا وبريطانيا يسعيان إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة يشرع لهم البقاء والاحتلال بشكل أوسع في العراق ولكن تحت مظلة الأمم المتحدة . إن انسحاب إسبانيا وعدد من دول أمريكا الجنوبية من قوات الاحتلال وتفكير بعض الدول الأخرى في مراجعة حساباتها وسحب قواتها ، عمّق من مشكلة الاحتلال الأمريكي ؛ ولهذا تسعى أمريكا إلى استصدار قرار جديد من الأمم المتحدة .
ربما تحصل أمريكا على قرار ولكنها ستبقى متمسكة بقيادة الوجود الأممي في العراق . إن هذا القرار الجديد لن يحل المشكلة العراقية ولن يغير من صورة الاحتلال ولن يلمعها . والسبب في ذلك هو أن الشعب العراقي سيرفض الاحتلال تحت أي مظلة .
إذا لم يتم وضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال ويتم تضمينه القرار الجديد للأمم المتحدة الذي سيصدر ربما قبل الثلاثين من جون ، فإن الاستقرار لن يحصل في العراق . إذا لم يحدد موعد مؤكد لتسليم السلطة الفعلية للعراقيين فلن يتحقق الاستقرار . إذا لم يمكن العراقيون من استثمار بترولهم والسيطرة على تصديره وادخار موارده فلن يتم الاستقرار . لن تجدي مظلة الأمم المتحدة نفعا ما لم يكن للأمم المتحدة دور القيادة والتصرف في أوضاع العراق ولمدة محددة .
المقاومة العراقية لن تعترف بقرار الأمم المتحدة الجديد إذا تجاهل دور ملايين الشعب الذي حرموا من وظائفهم وقطعت أرزاقهم . لقد أدرك العراقيون الظلم والبطش من القوات الأمريكية والبريطانية ؛ ولهذا لن يقبلوا بتواجد لا محدود في مدته لهذه القوات . لن يقبلوا بقرار أممي لا يمكنهم من إدارة وحكم أنفسهم . إن العراقيين لن يقبلوا إلا سيادة كاملة ومن المفترض ألا يقبلوا غير ذلك . ليس هناك سيادة منتقصة لأن السيادة المنتقصة تعني لا سيادة البتة . ماذا يعني تشكيل حكومة مؤقتة ومفاتيح صنع القرار في يد الأمريكيين ؟ أي سيادة هذه إذا كان الأمريكيون هم من سيحدد تعيين الحكومة ؟
أي سيادة هذه وهم سيشكلون حكومة لا تستطيع أن تقول لهم ارحلوا عن العراق ؟
أي سيادة هذه وهم يشكلون حكومة مؤقتة لا تستطيع أن تتصرف في عائدات النفط ولا في كميات تصديره ولا في العقود المتعلقة بتطوير حقول النفط وإصلاح وصيانة المنشآت النفطية العراقية ؟
إن مظلة الأمم المتحدة مهما حاول الاحتلال التظلل بها ، فإنها قد لا تحمي من حر الصيف الذي قد يشتد بعد الثلاثين من جون . إن سعي أمريكا وبريطانيا إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة يعني تشريع وتقنين الاحتلال وزيادة عدد الدول التي ستشارك في الاحتلال ولكن لن يصح الا الصحيح . ولن يستطيع القرار الجديد مصادرة حق المقاومة للشعب العراقي وخاصة إذا لفه الغموض وجعل لأمريكا حق القيادة والسيطرة لهذه القوات الجديدة للأمم المتحدة .

zahi_2000@hotmail. com


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved