Wednesday 26th May,200411563العددالاربعاء 7 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مركاز مركاز
1- اكتشاف الوطن
حسين علي حسين

الوطن ليس غرفة في فندق أو استراحة عبور، لو كان كذلك لما عاد إليه من عاش أعواماً في الخارج منعماً معززاً إليه في ساعة ضنك، انه مثل حضن الأم لا بديل عنه، حتى وان كان صحراء قاحلة، خالية من الماء والزرع والقوت، يغادرونه نعم، لكنهم حالما يحسون بأن لديهم شيئاً يعودون إليه، لكننا في السنوات الأخيرة سمحنا لمن لا يؤمن بذلك، بأن يبث إيمانه في الجميع، فاختفى النشيد من مدارسنا واختفى العلم من ساحاتنا، اختفت الاغنية الموجهة للوطن الذي لا يقارن بمكان آخر في الدنيا.. ومع الزمن سنجد أطفالنا وأبناءنا لا ينظرون للوطن الا كما ينظر المسافر لمحطات العبور، وهي خطيئة ارتكبناها أو أريد لنا ذلك عن طيبة وتسامح، دون ان ندرك أبعادها، نسينا ان الانسان في غير بيته اما ان يكون ضيفاً او لاجئاً أو بحاجة إلى رعاية مؤقتة او دائمة في مكان غير مكانه، وفي جميع الأحوال يتمنى الجميع رحيله عاجلاً أو آجلاً. إلا في وطنك تظل رغم كل شيء محتفظاً بالرقم واحد.. رقم المواطن وهويته، وحقه في ان يقول وينتقد.. يفرح ويحزن.. يحتج ويصمت، لكنه في جميع الأحوال لن يطرد من داره!
الوطن جوهرة ما احوجنا إلى اكتشاف معدنه مع كل صباح جديد، هذا الاكتشاف رهاننا الذي لن يخيب، لجعل كل طفل يولد على ارضه، لا يرى بديلاً عنه، وهو في سبيل ذلك، يقوم بكل شيء، لمسح دموع الوطن والاعتناء بصحة الوطن والتغني باسم واصوات الوطن الجميلة، تلك الاصوات التي ترفض العتمة والغلو، ترفض ان تقارن الوطن باستراحة المسافرين، تلك الاستراحة التي يشوه بعض المرضى كراسيها وأسرتها وأضواءها حالما تنتهي حاجتهم لها، الوطن يعني الأم ولا يوجد إنسان يقدم كامل الحنين لأكثر من أم واحدة!
لنحتفل بالوطن، فنحن في غيره لا يمكن ان نحصل على لقب المواطن رقم (1) ابدا، مهما قدمنا من تضحيات ولنأخذ العبرة من هؤلاء الذين يهاجرون في فجاج الارض، وحالما تتفاقم الآلام والضغوط يعودون إلى الحضن القديم، بحثاً عن مراتع الصبا وأصدقاء الأمس، بحثاً عن معاتبة صادقة أو لمسة حنان، بحثاً عن وجوه يعرف أسرارها، أفراحها، أحزانها، وجوه نبتت معه وشهدت بدايته، لا تلك التي نبت فجأة أمامها.. انه الوقت المناسب لنعيد اكتشاف الوطن في كل بقعة منه، المدرسة، الشارع، البيت، المعمل، المصنع، الملاعب، في كل مكان يجب ان يتعلم الجميع حب الوطن، فهو الضمان ضد الفناء، الذي يبذره التطرف والاقصاء والضيق بالآخر!
2- مجموعة التميس
سمعت قبل سنوات عن مواطن لديه مائة مخبز تميس، فقلت في نفسي او سألت احداً ممن يقفون على التنور عندما جاء ذكره، فقيل لي ان هذا الرجل يقبع في بيت، أمامه سيارة فاخرة، وهو لا يتعب من السفر للترويح عن نفسه، جراء ما يلقاه من لفح محلات التميس، ولديه لإدارة هذه المجموعة القابضة التي تضم: التميس أبو السمن والسكر والبسكويت والعادي وأبو القشطة والزبدة، لديه لذلك موظف واحد، يحمل شنطة سمسونايت تضم الختم والورق وصورة السجل ومواعيد تراخيص البلدية، أما الإقامة والتأشيرات فمن يطلبها تجهز له بعد ان يسدد قيمة انجازها مضاعفة، والمضاعفة هنا لتغطية تكاليف مكتب الخدمات والوقوف في سرى البنوك والغرامات، اما المهمة الرئيسية او الأهم لهذا الموظف فهي الجباية اليومية او الشهرية، خمسون ريالاً من كل فرن يومياً او 1500 ريال شهرياً، وعلى الإخوة العاملين بعد ذلك ان يقوموا بالدور الذي يريدون لإطعام زبائنهم فمن تكثر عنده الزبائن سوف تكثر غلته، ومن يغش او يطفف في الميزان سوف يلقى عقابه من الله، قبل البلدية!
لقد جلست مع نفسي ووضعت امامي الآلة الحاسبة، فوجدت ان عمنا صاحب الشركة القابضة تدر عليه شركته مائة وخمسين الف ريال شهرياً، دون ان يقوم بأي شيء، سوى استثمار السجل وتشغيل عامل متابعة، لديه كافة الصلاحيات، لطرد من يتأخر عن تسديد المعلوم!
وهناك العديد من أبنائنا يستأجرون الشقة مؤثثة ويستخرجون السجل، وحالما يحصلون على الفيز يعيدون مفتاح الشقة لصاحبها، ويستعدون لنقل الكفالات بعد ان باعوا التأشيرات، كل تأشيرة بخمسة آلاف ريال.. ولذلك ليس غريباً ان تكون لدينا في عام واحد ستمائة ألف تأشيرة، تنقل كفالة 75% منها حال الوصول، والبحث عن عمل، فقد اتت لأناس مثل صاحب مجموعة التميس القابضة!
كان الله في عون الدكتور غازي القصيبي على هذه العينة، التي من اجلها - ربما - قضى بجرة قلم على التأشيرات ونقل الكفالة للمؤسسات الصغيرة، رغم انه يعلم ان المؤسسات الصغيرة هي الحاضن الطبيعي للمؤسسات الكبيرة وليس الدليل - بكل تأكيد - مجموعة التميس القابضة.

فاكس 4533173-01


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved