يعتبر مرض المياه البيضاء (الكتاركت) من أهم أمراض العين والتي تؤدي إلى الانخفاض التدريجي في حدة الإبصار فإذا ما أصاب كلتا العينين فإنه يصيب المريض بإعاقة بصرية جسيمة تؤثر على حياته وعلى قدرته الإنتاجية في المجتمع.
المياه البيضاء (الكتاركت) ما هي إلا عتامة في عدسة العين والتي تقع مباشرة خلف حدقة العين وهي في الأصل في غاية الشفافية ومن أكثر أسباب هذا التحول في شفافية عدسة العين هو التقدم في العمر وهناك أسباب أخرى كثيرة منها إصابات العين وبعض العيوب الخلقية في الأطفال وبعض الأمراض الموضعية في العين والتي تسبب عتامة ثانوية في عدسة العين أو أمراضاً جسيمة مثل مرض السكري وغيره.
ومن المفاهيم الخاطئة عند بعض العامة أن مرض المياه البيضاء يسبب انهماراً في دموع العين وهذا مفهوم خاطئ لأن المياه البيضاء تسبب انخفاضاً تدريجياً في قوة الإبصار حيث يشعر المريض أنه لا يستطيع الرؤية الجيدة بسبب ما يسميه الضباب أو الشبورة والتي تكون في زيادة مستمرة على مر الزمن.
ومن المفاهيم الخاطئة أيضاً أنه مرض مزمن لا شفاء منه بينما هو في الحقيقة من أكثر أمراض العين الحاجبة للإبصار قابلية للشفاء بنسب نجاح عالية حيث حدث تطور كبير جداً وهام في طرق العلاج والتي تتلخص في إزالة عدسة العين المصابة بالعتامة وزرع عدسة أخرى صناعية.
ويعتقد بعض المرضى أن الكتاركت ممكن علاجه بالقطرات الموضعية وهذا مفهوم آخر خاطئ حيث إن العلاج التام والشافي ليس ممكناً إلا بإزالته وزرع عدسة مصنوعة من مادة بلاستيكية داخل العين.
ويعتقد بعض المرضى أيضاًَ أن تلك العدسة الصناعية قد تضر العين على المدى البعيد أو أنها تحتاج لعناية خاصة مثل إزالتها وتنظيفها وإعادة تركيبها وهذه مفاهيم خاطئة أيضاً حيث إن المادة المصنوع منها تلك العدسات مادة لا تتفاعل مع أنسجة العين ويمكن أن تبقى داخل العين لسنين طويلة جداً بدون أن تتسبب في أية مشاكل للعين وهي ليست كالعدسات اللاصقة حيث إنها توضع داخل العين وليس على السطح الخارجي لها وبالتالي فإنها لا تتطلب أية عناية خاصة بعد زراعتها.
مفهوم آخر خاطئ حول توقيت الجراحة حيث إنه في العقود الماضية كان الأطباء ينصحون المرضى بعدم اللجوء للجراحة إلا عندما تعتم العدسة تماماً ويطلقون على ذلك (نضوج) المياه البيضاء حيث إنه في الماضي لم تكن هناك وسائل لإزالة المياه البيضاء إلا بعد نضوجها تماماً وبالتالي العمى الكامل للمريض قبل اللجوء للجراحة.
ولكن بحمد الله تعالى يمكن الآن إزالة المياه البيضاء في أية مرحلة من مراحلها ويتم ذلك الآن بالتفتيت بالموجات فوق الصوتية وتلك الطريقة تعتمد في نجاحها على إجراء الجراحة في المراحل الأولى وليست المتقدمة حيث إنه من المعروف أنه كلما تأخر إجراء الجراحة ازدادت عدسة العين صلابة وبالتالي يصعب إزالتها بالطريقة الحديثة بالموجات فوق الصوتية ويضطر الجراح إلى إزالتها بالطريقة القديمة عن طريق عمل جرح كبير نسبياً في العين يتم إغلاقه بالخيوط الجراحية ويترتب على ذلك بطء شديد في تعافي المريض من الجراحة مع تأخر في عودة الإبصار للعين وربما يستغرق ذلك بعض الوقت بعد إزالة الخيوط الجراحية وأيضاً لا يسمح للمريض بممارسة حياته الطبيعية إلا بعد التئام الجرح الكبير نسبياً ويستغرق ذلك حوالي الشهرين.
أما الطريقة الحديثة بالموجات فوق الصوتية فتتميز بسرعة إجرائها تحت مخدر موضعي ولا يوجد هناك جرح كبير يستدعي احتياطات ملزمة لكثير من الوقت بعد الجراحة حيث يستطيع المريض ممارسة حياته الطبيعية بعد يومين من إجراء الجراحة ولا توجد خيوط جراحية تستدعي إزالتها ويكون معدل رجوع قوة الإبصار لحالتها الطبيعية سريعاً جداً وتبدو العين إن شاء الله وكأنها لم تجر فيها أية جراحة ابتداءً من اليوم التالي للجراحة.
إذن فترك المياه البيضاء لمدة طويلة داخل العين وتأجيل إجراء الجراحة يحرم المريض من التمتع بمزايا الطريقة الحديثة بالتفتيت بالموجات فوق الصوتية.
وهناك جانب آخر في غاية الأهمية ومن المفاهيم الخاطئة عند بعض المرضى كذلك وهو أن الجراحة تكون أصعب في حالات مرضى السكري وأود أن ألفت نظر السادة القراء إلى أن مرض السكري من أهم الأمراض التي تؤدي إلى عتامة عدسة العين ( الكتاركت) وبالتالي فإنه هناك نسبة كبيرة من المرضى الذين يتم عمل جراحة الكتاركت لهم هم مرضى بمرض السكري ولا تختلف الطريقة كثيراً في الجراحة ولكن يرجى الاهتمام بنقطة في غاية الأهمية في هذا السياق حيث إن مرض السكري كثيراً ما يصيب شبكية العين ببعض التغيرات مثل النزيف والرشح ويستدعي ذلك متابعة دقيقة وفحص دوري لقاع العين لهؤلاء المرضى.
ولذلك فعندما تزيد عتامة عدسة العين (الكتاركت) إلى حد أنها تمنع الطبيب من الفحص الجيد لقاع العين فيجب على الفور إجراء جراحة إزالة المياه البيضاء ليتمكن الطبيب من التعامل مع التغيرات في شبكية العين لتصويرها وعلاجها بالليزر وخلافه ولذلك ينصح مرضى السكري بإجراء عملية المياه البيضاء في وقت مبكر عن غيرهم مع الأخذ في الاعتبار التحضير الجيد قبل إجراء الجراحة وذلك بضبط مستوى السكر في الدم وخلافه.ومن المفاهيم الخاطئة أيضاً أن هناك بعض المرضى يعزفون عن إجراء إزالة المياه البيضاء اعتقادا منهم بأنها قد تعود مرة ثانية بعد إجراء الجراحة وكيف يحدث هذا والجراحة عبارة عن إزالة عدسة العين وزرع عدسة بديلة صناعية وبالتالي هناك استحالة أن تعود المياه البيضاء حيث إن العدسة الأصلية غير قابلة للنمو مرة أخرى أما العدسة الصناعية المصنوعة من المادة البلاستيكية غير قابلة للإعتام بعد ذلك وما يعتقده بعض المرضى عن ارتجاع المياه البيضاء ما هو إلا حدوث بعض العتامات الخفيفة في الغشاء الشفاف الذي توضع عليه العدسة الصناعية وهذا يحدث في حوالي 10% من المرضى ويتم علاجه إذا حدث ذلك بجلسة ليزر واحدة تستغرق خمس دقائق على الأكثر.
والخلاصة أن مرض المياه البيضاء (الكتاركت) يعتبر من أكثر أسباب العمى قابلية للشفاء التام وبنسبة نجاح عالية جداً تصل إلى 98 أو 99% بإذن الله تعالى.
وختاماً ندعو الله أن يكتب الشفاء لكل مرضانا ويعفو عنهم ويجنبنا جميعاً بلاء المرض إنه سميع عليم.
د. أمجد مصطفى دويدار
استشاري جراحة وطب العيون
مستشفى المركز التخصصي الطبي |