Tuesday 25th May,200411562العددالثلاثاء 6 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

دراسة تحليلية نقدية لقصيدة العشماوي دراسة تحليلية نقدية لقصيدة العشماوي

تعليقاً على قصيدة الشاعر عبدالرحمن العشماوي التي بعنوان: (الكلب والجثة) التي نشرت في جريدة (الجزيرة) الأحد 20-3-1425هـ العدد 11546 أقول: لقد عزف الشاعر العشماوي على وتر حساس فأثار الجراح وجعلنا جميعاً نتفاعل معه.. فمنذ بداية القصيدة أشعرنا أن أمتنا مازالت تغط في سباتها العميق مما أتاح الفرصة لأعدائها للنيل منها والتجرؤ عليها حتى الكلاب أصبح لها نصيب في أمتنا:


كل من الجثة فالأمة تؤكل
إنها فرصة عمر لا تؤجل
أمتي مليارها مازال يشكو
غفلة عن عزة المجد المؤثل
لم تزل ترنو إلى الإصلاح لكن
سلكت درباً إلى الإفساد أوصل

ورغم الضعف الذي تنطوي عليه أمتنا إلا أن الشاعر منحنا بريقاً من الأمل في الرجوع إلى قوتنا حينما صور نيل الأعداء منا بأنها فرصة عمل لهم لن يحصلوا عليها ثانية إن لم يستثمروها وكل ذلك بسبب غفلتنا وتفريطنا في ديننا وقيمنا.
إن الكلب رمز للمعتدي رغم أنه لا ذنب له لذلك يراه أقل القوم جرماً لذلك يطمئنه فيقول له:


لا تخف أنت أقل القوم جرماً
أنت لم تفعل كما الظالم يفعل

إن المعتدي الذي هو في صورة كلب يتناول ضحاياه بشكل لذيذ فهذه الجثث المتناثرة هنا وهناك لقد شويت بالرشاشات وتُبِّلت بالمآسي وقُدمت للأكل


كل من الجثة لحماً بالمآسي
وبجور المعتدي الباغي متبل

ثم ينتقل بنا من صورة أفراد مدججين بالسلاح يقتلون كل من تصل إليهم أيديهم إلى صورة أكثر رعباً وأكثر دماراً عندما تنطلق الطائرات لتحطم كل شيء


حتى الجماد والنبات لم يسلم منهم.
كل وكل يا كلب من لحم قتيلٍ
أرضه بالغرة الشعواء تقتل

إن ما يعصر الفؤاد ويزيده لوعة أن هذا القتيل لم يقتل إلا دفاعاً عن أرضه التي هي تموت الآن بموته فهي تقتل مثله.
إن العدو يزعم أنه ما جاء إلا لإقامة العدل والإصلاح ورفع الظلم فإذا به يرفع ظلماً ويضع ظلماً أدهى منه وأمر.


همه أن يرفع الظلم بظلمٍ
ويلاقي معول الهدم بمعول

ثم يبين صور الأمن والعدل الذي جاء بها العدو ..إنه جاء بأمن ينطلق من فوهات المدافع والصواريخ:


جاء بالأمن ولكن في الشظايا
والصواريخ وفي الغاز المخردل

أي أمن يتمثل في هدم المنازل والدور والمساجد على أصحابها ؟! إنها صور مشوهة للأمن تطل بوجه كالح لو صُورت بألفاظ لجبل ليس عظيماً فقد يكون مع عظمته هشاً يتفتت عند أول طرقة معول إنه جبل عظيم وصلب ومع هذا لو سمع بها لانهار الجبل من هول ما يسمع:


قصة يا كلب لو يسمع عنها
جبل صلب عظيم ما تحمل

إن الشاعر يخرج أنّاته وحسراته المكتومة في خطابه للعدو ويشحن بها حرف النداء للبعيد (يا كلب) لعله يرتاح بعض الوقت ويتنفس الصعداء.
ولقد وفق الشاعر حينما جعل من أحداث الظلم قصة وليست حادية عابرة إنها قصة تحتوي على فصول فيها الغريب والعجيب ثم يأتي بعدها سياق لغوي يلقي بظلال التعجب والقهر (لو يسمع عنها) فالأداة (لو) جعلت من سماع الجبل أمراً بعيداً لأن قصة هذا الظلم في نظر الشاعر لم تقع من قبل حتى يتسنى للجبل سماعها.
ويتأخر الفاعل قليلاً عن فعله ليتقدم الجار والمجرور (عنها) محتوياً على ضمير يعود على القصة التي جاءت في أول البيت فمنح الجار والمجرور القارئ شعوراً بعظمة القصة ما كان ليكون لو قال سمعها.
ويأتي الفاعل في بداية الشطر الثاني من البيت بعد وقفة بسيطة بعد الشطر الأول المنتهي بألف ممدودة أطالت تلك الوقفة فجاء الفاعل نكرة موصوفة (جبل صلب عظيم) ليواكب عظمة ذلك الظلم، ثم تأتي خاتمة البيت لتكون توقيعا خالدا تروي قصة ظلم (ما تحمَّل) رغم أنها كلمة نستخدمها في كلامنا اليومي وهي كلمة غير شعرية لكنها جاءت هنا لتحمل كماً هائلاً من المشاعر.. انظر إلى التضعيف الذي تحتويه الكلمة وضم شفتيك به ثم افتحهما وأنت تتخيل معهما انهيار جبل عظيم إن مع نهاية التضعيف في شفتيك نهاية للجبل فكأني أرى الجبل منهاراً تتساقط حجارته شيئاً فشيئاً لينتهي مع آخر نفس يخرج مع كلمة (ما تحمَّل) فيا ترى هل هذا الشعور ستمنحك إياه كلمة أخرى كتحطم مثلاً؟.
وتطالعنا آخر الأبيات لتحمل إلينا شعوراً أحس به الشاعر وهو أنه أساء إلى الكلب الحقيقي لأن الكلب من غريزته أكل الجثث فهو لم يأت بجرم كبير لكن هذه الجثث لأهله والكلب من طبعه الوفاء:


أنت يا كلب مثال لوفاءٍ
فلماذا طبعك اليوم تحول؟!
ثم يلتمس له العذر لعله مقلد كغيره:
هل رأيت الآكل الغاشم يسطو
فتمثلت به فيمن تمثل؟!

وتأتي خاتمة القصيدة خاتمة رائعة لأنها جعلت من الهزيمة نصراً ومن المنظر السيء للجثث الباعث في النفس الألم والحزن والخوف منظراً يبث في النفس الأمل ويملؤها حماساً وإصراراً على التضحية والفداء:


إنها جثة ميت ليس فيها
غير سم يقتل الجاني وحنضل

إنها جثة ولكن ليست كأي جثة إنها جثة إنسان قد كرمه الله عز وجل وابتذله هؤلاء الغزاة الآثمون فهلا ترفعت أيها الكلب الحقيقي عن ابتذالها لتكون أفضل من هؤلاء الغزاة المجرمون:


إنها جثة إنسان فهلاّ
كنت يا كلب من المحتل أفضل؟

إنه بيت هادئ حزين ختم به القصيدة.
القصيدة قوية البداية وجميلة النهاية وقافيتها الساكنة جعلت يخيم على جو القصيدة الهدوء والانكسار الذي يليق بحال أمتنا وهي مليئة بالعديد من الصور الشعرية الرائعة.
ولم تكن الأبيات في منتصف القصيدة كقوتها وجمالها في بداية القصيدة وآخرها انظر إلى قوله:


أرسل الاسطول في الجو وأجري
في مياه البحر أسطولا وحول

انظر إلى كلمة (حوّل) تكاد تكون حشواً ولم تأت بجديد ولها إيحاء غير جيد.
وكذلك إلى قوله:


أمنه يقتل أطفالاً صغاراً
ونساءً فهو شيء لا يعلل

(فهو شيء) أراد فهذا شيء ولكن لم يمكنه الوزن من ذلك.
عبدالعزيز الأحمدي- المدينة ص.ب 7049


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved