عدت للمنطقة الشرقية منتصف عام 73هـ لكي أخفق في امتحان الدور الأول لغيابي عن مادة، وامتحنت الفصل الثاني ونلت الابتدائية التي كانت تعادل يومذاك الماجستير اليوم.. وبدأت أبحث عن وظيفة، ولم يكن هناك سوى مدرسة متوسطة (مدرسة أرامكو)، إلا أن الظروف والحاجة أجبراني على التوظف في أمانة جمارك المنطقة الشرقية في عهد (الأستاذ طه الظليمي) طلب مني عندما تقدمت بطلب الوظيفة أن أكتب طلباً وعندما رأى خطي أعجب به جداً وأمر بتوظيفي على وظيفة كان مسماها مأمور باب جمرك مشعاب، وكان وصف مسماها يعني مأمور جمرك مشعاب، إذ كان الباب آنذاك يعني الجمرك، وكلفت في الأمانة بعمل كاتب مهربات على المرتبة التاسعة نظام قديم براتب (400 ريال) أما طبيعة عملها فتكمن في تسجيل الأمانات من عينية ونقدية وتوريدها لمؤسسة النقد شهرياً بواسطة رئيس المحاسبة.
وكنت أقوم بحصر الأشياء المهربة والمباعة أما المحرمة فيعد بذلك محضر يحدد وقت الإتلاف واللجان المشرفة بحيث يجتمع مندوبون عن الإمارة والهيئة ويتم الإتلاف بالحرق، ويوقع المحضر ويرفع للأمين الذي يزود بدوره الجهات المختصة بصورة من المحاضر المثبتة للإتلاف.. وكان الواحد منا نحن الموظفين يقوم بعمل إدارة كاملة اليوم، كما كان كل شيء بسيط، وكم جلسنا حول (الماصة) بالأربعة دون أن نبدي عدم الرضاء السائد اليوم، وكان الدوام يشبه دوام موظفي (أرامكو) في الدقة والإخلاص والانضباط المتناهي، بحيث لا يغادر أحد عمله حتى ينتهي الدوام وكنا لا نعرف المكيفات، ولا حتى المراوح، ونجلس على صناديق أو كراسي متكسرة، ولا نعرف الكرسي الدوار الإ عند أعلى رجل في القيادة الإدارية، ولكن الشيء العديم المقارنة مع إدارة اليوم هو البساطة، وطلاقة الوجوه وبشاشتها، والتعاون لدرجة أن المجموعة تعمل وكأنها شخص واحد، لا تسيب ولا تأخر ولا غياب، وكان الفصل هو السائد لدى كثير من الإدارات الحازمة لمن تغيب أكثر من 3 أيام.
وأذكر أن من إيجابيات الأمانة الكثيرة حينذاك ومعظم الدوائر الحكومية أنه قد جرت العادة في مستهل شهر محرم من كل عام أن يصرف للموظف راتبين سلفة يتم استيفاؤها أقساطاً متساوية من راتبه لمدة سنة تتجدد هذه السلفة بمجرد حلول المحرم. وقد طلبت إجازة شهر لزيارة أهلي في الرياض بعد أن استقروا بها.
الرياض |