أخيرا انعقدت القمة العربية في تونس بعد تأجيلها لنحو شهرين، وما ثار وقتها من إشاعات ربما حسمها وزير الخارجية التونسي في مؤتمر صحفي قبل أمس، موضحاً أن كثافة جدول الأعمال هي التي استوجبت هذا الوقت الثمين - كما عبَّر الوزير - من أجل الوصول إلى اتفاق عربي جماعي على ما تحمله أجندة القمة، وهكذا يتبيَّن أنه لا أمريكا ولا غيرها قد أوحت - كما كان يشاع - بتأجيل القمة تمهيداً لتدميرها!
على كل حال جاءت قرارات القمة مرضية وشاملة لكل الوجع العربي، لكن ما يشوب القبول في القلوب هو مدى الجدية في تطبيق هذه القرارات على الأرض، بحكم خبرات سلبية سابقة في الوجدان العربي فيما يتعلق بعدم تنفيذ القرارات، ولعل الوزير التونسي بن يحيى قد سرب الطمأنينة إلى النفوس حين قال: (لن نتفق إلا على أشياء يمكن تطبيقها).
ونحن نعرف أن مهمة تفعيل القرارات ثقيلة، لكنها غير مستحيلة متى ما حسنت النوايا، ولا نطالب بالكل أو لا شيء فتلك سياسة أثبت التاريخ أنها خرقاء، نريد خطوات.. مجرد خطوات تثبت للشعوب العربية حسن النوايا نحو الإصلاح في كل المجالات، وأن تتحرك قوافل الدعم المادي العربي إلى فلسطين والعراق، وقوافل أخرى للدعم السياسي والمعنوي والتفاوضي مع دوائر التأثير في صناعة القرارات العالمية المتعلقة بالعرب وقضاياهم، نريد أن تنجز الأمانة العامة مشروع تعديل ميثاق الجامعة العربية في المدة المحددة، وأن تتم الموافقة عليه في قمة الجزائر القادمة. هذه بدايات ممكنة ومفاتيح مؤثِّرة يمكن أن تمثِّل الحد الأدنى لرضا الإنسان العربي، وتؤكِّد أننا - على الأقل - وضعنا الأقدام على الطريق الصحيح.
على الهامش
الذين تعودوا المفاجآت من فخامة العقيد الرئيس الليبي، وهم قوام الأمة العربية من الماء إلى الماء، كان من الطبيعي ألا يفاجأوا بانسحابه من قمة تونس الذي برره في مؤتمره الصحفي بأنه غير راضٍ عن جدول الأعمال، وفي اليوم التالي أوضح أمين عام الجامعة العربية أن جميع الأوراق التي قدِّمت للقمة - ومنها بالطبع جدول الأعمال - تمت دراستها والموافقة عليها من جميع وزراء الخارجية العرب - بمن فيهم الوزير الليبي - فكيف ينطلي العذر؟!
أغلب الظن أن فخامته وهو صاحب التحول الانقلابي الشهير، من أقصى العداء للغرب وأمريكا خاصة إلى أقصى الود مع عدو الأمس اللدود، الذي أصبح في يوم وليلة رفيقاً يسير في درب العقيد ذاته، كما صرح بذلك في مؤتمره الصحفي حين قال بأن الثورة الأمريكية تتساوق الآن مع الثورة الليبية في أهدافها النبيلة!
وهو مَنْ جاء إلى قمة تونس مضطراً بوساطات من قيادات عربية، ليُحدث ما يعتقد أنه (فرقعة) بانسحابه من القمة، ثم ليجمع وسائل الإعلام ويشرح لهم الطريق إلى الجنة، من خلال كتيب صغير يشير إليه على المنصة، ومن خلال معاودة طرح مشروعه الطريف حول دولة إسراطين، ثم ليلعن على الملأ رغبته في أن توافق اللجان الشعبية في بلاده على خروج ليبيا من الجلباب العربي، وأن تنحاز إلى العرق الأفريقي فحسب! فلماذا نجري وراء الرجل ونجره إلى منتدى يكرر إعلان البراءة منه ومنا، صحيح أن توحيد الصف مطلوب، ولكن خروج العقيد من الصف لن يعني أبداً خروج ليبيا العربية المسلمة صاحبة التاريخ المشترك والمشرِّف من جلدها العربي، فالأمم تبقى - كما هو معروف - وأما الشخوص فإلى زوال!
وأخيراً.. في خاطري كلمة أرجو أن يتسع لها صدر فخامة العقيد... قد يكون من الطريف أن تشعل سيجارة في القمة، ثم تميل على جارك وتعلن أن السيجارة أمريكية، تلك الصورة التي تسابقت إلى نشرها وسائل الإعلام، وقد يكون الكثير منا ابتسم لها، لكن يا سيدي هل مصير أمة في محنة يمكن أن يحدَّد بالهزل والطُّرف؟
هياج السم
يعمد أكثر من مذيع لبرامج الرأي في قناة الجزيرة إلى طرق التحايل للتحامل على المملكة العربية السعودية، واصطياد الفرص واختلاقها، ووضع الكلام على ألسنة المتحاورين، وعلى الرغم من تأكد القناة أن كل محاولاتها باءت بالفشل في تحقيق أدنى هدف، وأنها سقطت من عين الرقيب، فإن المحطة لا تزال سادرة في هذا الغي، فقبل أيام وفي برنامجها (أكثر من رأي) عن موضوع قمة تونس ظهرت نغمة التحامل بشدة من مقدِّم البرنامج سامي حداد، وله ولرفقائه أقول:
(إذا هاج فيك السم لا تنفثه فيمن يستهين بذاك!).
تشابه أسماء
هل صحيح أن أحمد الجلبي، الذي دلف إلى أقصى دهاليز المؤسسة الحاكمة في أمريكا، تحت إبط المؤرخ برنارد لويس من أهم نشطاء اللوبي الصهيوني هناك، وأحمد الجلبي الذي أقنع البنتاجون بالحرب على بلاده، وقبض المليارات من الخزانة الأمريكية مع وعد بتنصيبه حاكماً على العراق.. هل صحيح أنه هو نفسه الذي اقتحم الأمريكان بالأمس منزله ومكاتبه، وعاثوا فيها فحطموا الأثاث وصادروا أجهزة الكمبيوتر والملفات، وأوقفوا المعونات عنه لأن المعلومات التي باعهم إياها حول امتلاك العراق لمعامل متنقلة للأسلحة البيولوجية كانت تفتقر إلى المصداقية.. هل هو الرجل ذاته أم أن الأمر مجرد تشابه أسماء؟!
إنه الدرس البليغ لكل من يتآمر على بلده من فوق دبابة.. حتى لو كانت أمريكية!
بطولة وفداء
الجندي البطل عبد الكريم حمود الحربي، من قوة الطوارئ الخاصة بمنطقة القصيم، كان قد أصيب قبل نحو عام في مداهمة مزرعة في بلدة غضي غرب بريدة كانت وكراً للإرهابيين، وأصيب في تلك المواجهة، ويوم الخميس الماضي كان الجندي نفسه حريصاً أن يصحب القوة التي داهمت الإرهابيين في حي خضيرة في بريدة وأصيب للمرة الثانية.
هذا الشرطي الشجاع الذي لم يجفل من إصابته الأولى، وعاد يواجه الشر المحيق بوطنه بكل بسالة حتى أصيب مرة أخرى، ماذا قال لصحيفة (الوطن) بعد إصابته الثانية؟ يقول البطل إنه مستعد دائماً لأداء واجبه حتى لو أصيب مائة مرة، أو أن يلقى ربه شهيداً.
حيّوا معي الحربي البطل، وكل رجال الشرطة السعودية الذين أثبتوا أنهم - بحول الله - قادرون على مواجهة الشر وردعه، والحفاظ على أمن الوطن والمواطن.
|