المسار الثالث: المسار التأهيلي
لكل قضية أو مسألة دلائل ومؤشرات.. ومنها كما يقول العرب.. (عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه).. وهذا يعني أن نوعية القرين أي الصديق تعرفك بالمرء دون الحاجة للسؤال عنه.. وفي قضية تأهيل الموارد البشرية لمتطلبات سوق العمل واتجاهاته.. هناك مؤشر على جودة أو رداءة هذا التأهيل نتيجة المناهج والبرامج التأهيلية لمتطلبات سوق العمل واتجاهاته.. هناك مؤشر على جودة أو رداءة هذا التأهيل نتيجة المناهج والبرامج التأهيلية.. وهو نوعية المخرجات وهم الموارد البشرية هنا: ما هي معارفهم؟ وما هي المهارات التي اكتسبوها؟ وما هي المفاهيم والقيم التي يحملونها التي تحدد سلوكياتهم الحياتية والمهنية؟
أنا شخصياً لا أعرف الكثير عن الفلبين ولم أزرها في حياتي.. لكنني أستطيع أن أجزم أن المناهج والبرامج التعليمية والتدريبية (التأهيلية) في هذه الدولة على مستوى عالٍ جداً.. كيف استنتجت ذلك؟ إنها جودة المخرجات دون شك.. حيث إنني لم اتلق بمواطن فلبيني أنهى الثانوية العامة إلا ووجدت لديه درجة عالية من الوعي والإدراك للحياة وكيفية التعامل مع الآخرين.. كما أنه يجيد الإنجليزية بطلاقة محادثة وكتابة وقراءة.. ولم أجد فلبينيا متخرجاً من معاهد فنية ومهنية إلا ووجدته محترفاً متقناً للمهنة ملتزماً بالسلوكيات المهنية.. والدليل على كلامي انتشار العمالة الفلبينية في جميع أنحاء العالم.. وهي عمالة مرغوبة ومفضلة لدى الجميع.
إن كل من له لب يقف ويتساءل: ما السر؟ هل هم أذكى منا؟ أغنى منا؟ وهل وهل وهل؟
في الحقيقة لا اجد إلا أن الكفة لصالحنا.. فنحن جميعنا بشر متساوون بشكل عام في القدرات الذهنية والعقلية.. ونحن ننعم بموارد طبيعية أكبر وبكثافة سكانية أقل.. ويغلب علينا وعليهم البدائية.
فمعظمنا من أبناء البادية.. ومعظمهم من أبناء الريف.. الذي يعاني من الثالوث القاتل الفقر والمرض والجهل؟.
ونحن نمتاز بدين رباني جعل العمل عبادة.. وحثنا المولى عز وجل على إتقانه.. إذا أبلغنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).. وأنه (من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له).. إذاً ما السبب؟
إنه التأهيل الناجح دون شك! كيف؟
يقول لي أحد المطلعين على الشأن الفلبيني.. إنه عندما طلبت أمريكا استئجار قواعد عسكرية لها في الفلبين في عهد الرئيس ماركوس.. ومن خلال المناقشات والحوار بين الحكومة والمؤسسات المدنية الشعبية.. تمت الموافقة على تأجير القواعد مقابل أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء معاهد فنية ومهنية لتخريج العمالة الفنية الوسيطة (أعلى من الثانوية وأقل من الجامعة).. وتنقل المناهج التأهيلية الأمريكية لتطبيقها في الفلبين.. وهذا ما وافقت عليه الولايات المتحدة.. إذ يوفر لها عمالة وسيطة تخدمهم في قواعدهم في المجالات الصحية، الإسكانية، الخدمات اللوجستية، الخدمات الفندقية، والمطارات.. الخ).
وهذا ماحصل فعلا إذ قامت أمريكا بإنشاء المعاهد الفنية ووضعت المناهج وقامت بالتأهيل.. وبعد ذلك استفادت الحكومة الفلبينية من منظومة التشريعات الاقتصادية وسوق العمل وقامت بنقلها وتطويعها.. فكانت النتيجة الباهرة.. عمالة فلبينية ماهرة مفضلة مطلوبة.. والعالم كله سوق عمل لها.. حتى أصبحت التحويلات المالية من قبل هذه العمالة مصدراً أساسياً من مصادر العملة الصعبة لدولة الفلبين.
هنا يبرز تساؤل.. وخاصة أننا نعيش اليوم قضية تغيير وتطوير المناهج والضغوط الخارجية لتحقيق ذلك.. هل نحن نروج للمنهج الأمريكي؟
أقول إننا نروج للحكمة.. فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها.. إن المسؤولين في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلند وهونغ كونغ وجزيرة مكاو والفلبين.. استفادوا من نقل التجربة والمناهج الأمريكية وطوعوها بما يتناسب مع إمكانياتهم وثقافاتهم.. وطوعوها ولم يغيروها.. ثم بعد ذلك استحدثوا فكرهم الخاص بهم الذي يميزهم عن غيرهم.. وكمايقولون: الإبداع يبدأ بالتقليد.
إذن من لديه مخرجات عالية الجودة.. منتجات كانت أم خدمات.. هو من يسأل ويقتدى به لأنه ناجح والقدوة تساعد في تحديد المواقف والاتجاهات لكل قضية.
ولكي نعود إلى قضيتنا وهي تأهيل الموارد البشرية الوطنية تأهيلاً عالياً يجعلها المفضلة لدى أصحاب العمل.. دعونا جميعا نراجع هذه المسلمات:
1 - ان الموارد البشرية الوطنية كمخرجات لمناهجنا التعليمية والتدريبية غير مرغوب بها لدى أصحاب العمل.. لعدم مواءمتها لمتطلبات سوق العمل.. والدليل هو أن البطالة في المملكة هيكيلة.
2 - ان الدولة مسؤولة عن تأهيل المواطن السعودي تأهيلاً علمياً ومهنياً عالياً.
3 - ان القطاع الخاص عليه واجب الدعم والمشاركة والمساندة المادية والمعنوية لتأهيل المواطن.
4 - ان التعليم في مراحله المختلفة هو المسؤول الرئيسي عن غرس وتأصيل المفاهيم السليمة والقيم الإيجابية في أبناء الوطن التي ترفع لديهم درجة الوعي وإدراك الحياة ومتطلباتها.
5 - ان الاطلاع على التجارب الناجحة ونقلها وتطويعها يوفر الوقت والجهد والمال.
6 - ان الإنجاز لا يقدر بما يبذل من مال وجهد بل يقدر بكمية ونوعية المخرجات في زمن محدد.
7 - ان كلا من التعليم والتدريب لدينا يعاني من الفوضى وانخفاض المعايير (كم عدد المعاهد التي تم إغلاقها لهذا السبب).
8 - ان عدم الوعي بأهمية التدريب والتعليم مستمر.. والتأهيل الذاتي منخفض لدى أفراد المجتمع بصفة عامة وطالبي العمل بصفة خاصة.
9 - ان العصر الحالي هو عصر المهارات لا عصر الشهادات فقط.. والمهارة هي مدى المعرفة بكيف نعمل، لا بماذا نعمل.
ولنعد قليلا إلى المقالة الأولى.. التي أشرنا فيها إلى أن قوى السوق تعتمد بشكل أساسي على الإنتاجية في توظيفها لجميع الموارد الاقتصادية ومنها وأهمها الموارد البشرية.. وان التكلفة هي معيار الاختيار لدى أصحاب الأعمال للموارد البشرية والتكلفة هي الأجر منسوبا إلى الإنتاجية.. وأن العبرة بالإنتاجية، والإنتاجية مرتبطة بشكل أساس بالتأهيل العلمي والمهني للعامل.
أي أن جودة طالب العمل هي محور تسريع إستراتيجية السعودة.. إذ إنه كلما كان لدينا موارد بشرية وطنية مؤهلة ومنتجة وبأعداد تناسب نوعية الوظائف المتاحة الحالية والمستقبلية قلت نسبة البطالة بين المواطنين والعكس صحيح..وهذا ما أعتقد أن الجميع متفق عليه.. إذن اين المشكلة؟
وفي ظل هذه المسلمات وارتباط الإنتاجية بالتأهيل.. أقول إن تقييم جودة المخرجات لها ثلاثة معايير وهي:
1 - كمية.
2 - ونوعية.
3 - وزمنية.
فالأهداف يجب أن تكون وصفية وكمية في زمن محدد.. وعند اختلال أي منها يكون الإنجاز ناقصاً.. وعند الاطلاع على النتائج في السنوات السابقة.. نرى إخفاقاً واضحاً في تحقيق الأهداف.. وهذا ما اشارت إليه خطة التنمية السابعة.. حيث نصت بأنه بعد تطبيق خطة التنمية الخمسية السادسة، مازالت مخرجات نظم التعليم والتدريب غير متوافقة بالقدر الكافي مع متطلبات سوق العمل ومازالت هناك العديد من التخصصات التي تزيد أعداد الخريجين فيها عن متطلبات سوق العمل.. والفشل الآخر هو زيادة العمالة الوافدة بنسبة شبهة ثابتة من حجمها رغم أن الهدف كان إنقاصها.. أي أنه بمرور خمس سنوات لم نستطع تأهيل الكم اللازم من المواطنين بالنوعية المطلوبة لسوق العمل.
ما هي الأسباب في عدم توفير النوعية المطلوبة.. وبالسرعة المناسبة.. والكم المطلوب.. من العمالة الوطنية المؤهلة الماهرة.. المتسمة بالسلوكيات المهنية؟..أهو سوء التخطيط أم سوء التنفيذ أم سوء المتابعة؟ أم كل هذه الأسباب؟
ما هي المؤسسات الحكومية الخاصة وذات النفع العام التطوعية العاملة في التعليم والتدريب؟ هل هي متكاملة أم متنافسة؟ هل تركز على المهمة الرئيسية لها أم انها تتداخل في مهام أخرى من اختصاص غيرها؟
هل هناك دراسات ميدانية وصفية وكمية توضح اتجاهات سوق العمل مستقبلاً؟.. والمتطلبات التدريبية؟ هل لدينا معرفة كافية عن حجم سوق التدريب حالياً ومستقبلياً؟.
هل مناهجنا التأهيلية استباقية لمتطلبات المستقبل البعيد.. أم استجابة لتغيرات حدثت أم ردود أفعال سريعة لمتغيرات ظهرت.. وما أسباب ذلك؟
هل هناك توجيه للمؤسسات التأهيلية الخاصة لهذه الاتجاهات لتوفير الفرص التعليمية والتدريبية الملائمة؟ وهل تحفز ماديا ومعنويا لتلبية المتطلبات التأهيلية؟ هل هناك جهة مسؤولة تعمل على تنظيم سوق التدريب وتوجيهه.. والارتقاء بمعاييره.. وحمايته من المتلاعبين والدخلاء.. ليكون فعالاً ومكملاً للجهات الحكومية.
ما هو مستوى الوعي لدى أصحاب العمل بأهمية تخطيط القوى العاملة كمورد رئيسي من موارد المنشأة؟ وما هو مستوى الوعي لدى طالبي العمل بأهمية التعليم والتدريب المرحلي والمستمر والذاتي؟
نعم إنه ضعف في التخطيط وهذا ما أشرنا إليه في المقالة السابقة.. وضعف في التنفيذ، إذ إنهما يتمان من خلال أجهزة بيروقراطية بطيئة كما هو حال جميع الأجهزة البيروقراطية في عالمنا الثالث إن جاز التعبير.
إذن يجب إخراج قضية تأهيل الموارد البشرية من الأنظمة البيروقراطية كقضية مهمة وملحة وخطيرة ولا تحتمل التأخير.. وذلك:
1 - بإيجاد آليات عمل جديدة تحقق السرعة والتحفيز معاً.. التحفيز لتوليد الأفكار الابتكارية والتنفيذ الإبداعي السريع.
2 - إيجاد قنوات قصيرة للتخطيط والإقرار.. وقنوات تنفيذية ذات محفزات متعددة..
3 - وسائل متابعة تعتمد على التقنية الحديثة.. تزودنا بمعلومات وصفية وكمية بشكل دوري.. لتحديد الانحرافات ومعالجتها بالسرعة المطلوبة.
كيف يمكن تطبيق ذلك في قضية تأهيل القوى العاملة الوطنية.. والتأهيل هنا نقصد به التعليم والتدريب؟.. أما التعليم وهو الذي يمضي به المواطن من 6-18 سنة من عمره، وهي السنوات التي يتلقى فيها كل شيء على أنه مسلمات.. وخلالها تكون درجة مقاومته للأفكار والمفاهيم ضعيفة جداً.. إذ إنه لم يشكل قناعات واعتقادات سابقة بعد.
التعليم قضية كبيرة ليس هذا مجال مناقشتها.. إلا أنني أؤكد على ما قاله الدكتور القصيبي: إن النظام التعليمي لدينا لا ينتج إلا البطالة.. ونحن نعي تماما أنه لكي تؤتي جهود تطوير التعليم الجارية ثمارها يحتاج المجتمع إلى وقت أطول مما تسمح به الظروف والمتغيرات.. أما التدريب فهو الحل الأمثل والسريع.. الحل الذي يجب أن يعالج مخرجات التعليم السابقة، وهم بوضعهم الحالي يعتبرون من معوقات العمل ومقومات البطالة، كما يذكر الباحث طراد بن سعيد العمري.. إذن التدريب هو ما نريد أن نركز عليه في مقالتنا هذه.
لابد من إيجاد حلول سريعة وفعالة، للخروج من البيروقراطية وأمراضها.. وذلك بالتعاون المثمر الفعال بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص المحقق لمبدأ التكامل في عملية تدريب الموارد البشرية الوطنية الحالية والمرتقبة.. لا كما هو حاصل الآن من جفاء وتنافس.. أدى بالكثير من العاملين بقطاع التدريب للخروج منه والاتجاه لقطاعات أخرى.. رغم أن الدولة في خطتها السابعة للتنمية تهدف للتوسع الكمي والنوعي في نظام التعليم والتدريب عن طريق الدولة والقطاع الخاص في العقدين القادمين.. ولقد روى لي الكثير من المستثمرين في حقل التدريب روايات محزنة.
لقد اتفق معظمهم على أن إعداد المناهج التدريبية وأساليب تطبيقها تستدعي الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال، وأنه بالاتفاق مع الشركات في تلك الدول للتعاون، فإن هذه الشركات تتحدث معنا بلغة الأرقام والوقت معاً، وعند الإخفاق في تحقيق شروط التعاقد، فلا أعذار لديهم.. وعلى الجانب الآخر نجد أن الجهات التي ترغب بالتدريب تغير الأرقام والوقت في الأسبوع سبع مرات، فضلا عن المنافسة الشديدة من قبل الجهات الحكومية والتطويعة غير العادلة، فكيف نوفق بين هذا وذاك؟ إذن نحن أمام خطط تنفيذية تخالف أهدافاً إستراتيجية، فكيف ندعو القطاع الخاص للمشاركة في التوسع في التدريب وننافسها فيه؟
إن الحل للقضاء على مشكلة البطء هو تأهيل وتوفير القوى العاملة الوطنية بما يتناسب ومتطلبات سوق العمل الحالية والمستقبلية وهو أيضا يكمن في التخلص من البيروقراطية.
لابد من تشكيل فريق عمل متخصص متفرغ، لا لجنة مشغولة.. ويكون الفريق مكوناً من القطاع الحكومي (وزارة العمل) والقطاع الخاص (مجلس الغرف) وجمعيات النفع العام.. ومن المختصين العاملين ذوي الخبرة في مجال التدريب وتنمية الموارد البشرية من القطاعين الخاص والحكومي.
ويمنح هذا الفريق كاملاً الصلاحيات المناسبة لعظم المسؤوليات التي سيتحملها.. وله أن يستعين بالخبرات المحلية والعالمية أفراداً ومؤسسات.. وتوفر له ميزانية تناسب حجم مهمته.. ويحدد له جدول زمني للإنجاز يحاسب على أساسه.. لنخرج وبأسرع وقت بتصور كامل للمتطلبات التدريبية لكل الوظائف المتوفرة حالياً ومستقبلياً في كل القطاعات ومعرفة كم ونوع المتدربين المرتقبين.. وكيف ستوزع عملية تدريبهم بين القطاعين العام والخاص.. وكيف يتم تمويل كل ذلك.
هذا الفريق يعمل على وضع آلية عمل سريعة بعيدة كل البعد عن البيروقراطية لتحقيق الأهداف التالية:
1 - إقامة علاقة تكاملية بين القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع التطوعي تجعل الجميع يساهمون في عملية التوسع في التدريب خاصة الفني والمهني.
2 - إعداد مدربين وطنيين أكفاء بالكم والنوع المطلوبين لتغطية الاحتياجات التدريبية.
3 - دعم مؤسسات التدريب الخاصة من خلال مبدأ الشراكة الحقيقية لا الدعائية في تأهيل الكوادر الوطنية.
4 - الارتقاء بثقافة تخطيط القوى العاملة والتدريب المستمر من خلال وضع وتطبيق المعايير التدريبية العالمية والحوافز كالمنافسات والتكريم على أعلى المستويات.
5 - توفير قواعد بيانات ومعلومات شاملة ومحدثة عن سوق التدريب يستطيع كل ذي صلة بهذا السوق أن يستفيد منها في صناعة قراره.. مدرباً أو متدرباً أو مستثمراً.
إنني أجزم وكلي ثقة بأن التكامل والتعاون هو الحل.. ذلك أنه لا القطاع الحكومي ولا القطاع الخاص ولا قطاع النفع العام.. كل على حدة.. قادر على تطوير العملية التدريبية والتوسع فيها.. لتكون قادرة على إخراج كوادر وطنية مؤهلة كماً ونوعاً.. تتواءم مع احتياجات سوق العمل.
إننا في عالم متسارع يحتاج لاستثمار أموال كبيرة وسرعة فائقة لمواكبته.. فالحكومة بيروقراطية بطيئة.. والقطاع الخاص لا يستطيع أن يضخ أموالاً طائلة خاصة في مواكبة ما يستجد من آلات وأجهزة.. وقطاع النفع العام لا يستطيع هذه أو تلك، بل يمكن أن يكون مسانداً من خلال تقديم الجهود التطوعية مالا أو جهداً وهذا ما يشكل سنداً لا أساساً.
لذا يجب أن يعمل هذا الفريق على توزيع المهام وتنسيق الجهود بين الجهات التدريبية لتتخصص كل جهة بمهمتها.. تبتكر وتبدع في إنجازها.. ولا تتدخل في مهام الجهات الأخرى.. كأن تقوم الجهات التدريبية التابعة للحكومة باستثمار الأموال في توفير متطلبات التدريب من قاعات وآلات وأجهزة ومعدات.. وتقوم بتحمل تكاليف إعداد المدربين الوطنيين في جميع المجالات من خلال ابتعاثهم للخارج.. كما تقوم بتأهيل المنتسبين لمؤسساتهم ومعاهدها التعليمية والتدريبية (الطلبة) التأهيل الأساسي الذي يمكنهم من سد احتياجات سوق العمل.. دون أن تضطر الجهات المستقطبة لهؤلاء الخريجين لإعادة تأهيلهم.. وتترك الفرصة لمؤسسات القطاع الخاص التدريبية.. للقيام بالتدريب المتقدم في جميع التخصصات.. ويقوم القطاع التطوعي بتوفير الدعم بكل صوره.. لتخفيض التكاليف على المتدربين للانخراط في الدورات التدريبية.
ويبقى لهذا الفريق أن يضع دوراً للقطاع الحكومي والخاص والتطوعي من خارج المؤسسات التدريبية.. وهي المؤسسات التي تهدف لاستقطاب الموارد البشرية الوطنية للعمل فيها بعد تأهيلها.. وهو أن يكون لها دور فعال في التدريب التعاوني.. لتوفير ساعات تدريب تطبيقية لما درسه المتدربون نظرياً.. وذلك لسد الفجوة بين ما يطبقه المتدرب أثناء التدريب ويمارسه أثناء العمل.
إننا أمام ضرورة ملحة لوضع خطة إستراتيجية واضحة يستطيع كل ذي صلة بالتدريب أن يعرفها ويعرف موقعه فيها.. وكيف له أن يشارك وما متطلبات هذه المشاركة.. وهذا ما أرجو من الدكتور القصيبي أن يعمل عليه.. وهذا ما عرفناه عنه.. حيث نقل عنه أنه يقول إن الإدارة والتدريب هما الداء والدواء والعلة والمخرج.
نريد يا معالي الوزير خطة سريعة وإنجازات سريعة فالزمن متسارع.. فإن لم يكن معدل السرعة مناسباً لمعدل نمو المشكلة وتفاقمها فهو الفشل.. وإن كان متساوياً أو أسرع فذلك النجاح.. وذلك ما يستدعي من قرارات سريعة ومريحة لا مؤلمة.. ونحن كلنا ثقة بأنكم أهل لذلك.
وختاماً فإن التأهيل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوظيف.. فحصول المواطن على فرصة عمل عادة ما يكون نتيجة نوعية التأهيل الذي تلقاه.. لذا يجب ربطهما ربطا وثيقاً وهذا ما تعمله الدول المتقدمة.. وهذا ما سوف نتعرض له في المقالة القادمة حول المسار التوظيفي.
دعونا نعود لاتفاقنا السابق على أن الأسئلة آلة التفكير.. ونثير بعض الأسئلة مثلاً:
- ما هي الأسباب في عدم توفر عمالة وطنية مؤهلة وماهرة.. تتسم بسلوكيات العمل المهنية؟ هل هو سوء التخطيط؟ أم سوء التنفيذ؟ أم سوء المتابعة؟ أم كل هذه الأسباب؟
- ما هي المؤسسات الحكومية والخاصة وذات النفع العام التطوعية العاملة في التعليم والتدريب؟ وهل هي متكاملة أم متنافسة؟
- هل تركز هذه المؤسسات على المهمة الرئيسية لها؟.. أم أنها تتداخل في مهام أخرى من اختصاص غيرها؟
- ما مستوى الوعي بأهمية التعليم والتدريب المرحلي والمستمر والذاتي؟
- هل هناك دراسات ميدانية وصفية وكمية توضح اتجاهات سوق العمل مستقبلاً والمتطلبات التدريبية؟
هل هناك توجيه للمنشآت التأهيلية لهذه الاتجاهات.. لتوفير الفرص التعليمية التدريب الملائمة؟
- هل تحفز هذه الجهات مادياً ومعنوياً لتلبية المتطلبات التأهيلية؟
- هل مناهجنا التأهيلية استباقية لمتطلبات المستقبل.. أم استجابة لتغيرات قد تحدث قريباً.. أم ردود أفعال سريعة لمتغيرات حدثت قريباً.. أم ردود افعال بطيئة لمتغيرات حدثت منذ زمن بعيد؟
إن أمر إنشاء مجلس القوى العاملة قبل عشرين عاماً تقريباً.. كان استباقاً حكيماً يدل على أنه لم تكن تنقص ولاة الأمر القدرة على الرؤية واستشراف المستقبل.. وان هناك كوادر بحثت واكتشفت واشارت.. والحكومة استجابت ونفذت وأنشأت المجلس.. وأخيراً أغلق المجلس.
والدولة في قرارها هذا اتبعت في ذلك حكمة كلنا نقرها وهي: إن التوقف عن الخطأ خير من التمادي فيه.. فضياع عشرين عاماً من عمر القوى العاملة في المملكة العربية السعودية بدون رعاية أو إدارة صحيحة سليمة.. أوجد لدينا مشكلة.. كل الحلول المتاحة والمعروضة لها لا تتجاوز التمني والتهديد..وهذه مشكلة أكبر.
|