اذا كان انتظارك لتحقيق شيء من طموحاتك هو دون النظر في واقعية الحال.. فإنك غالباً ما تفاجأ بما لا يتلاءم مع هذه الطموحات.. فتنكر نفسيتك.. وتكون كالمراهن على الحصان الذي يخسر السباق مع الجياد في غالب أحواله... بل إنك قد تنفجع حين ترى آمالك قد تحطمت أمامك كتحطم كأسك المليء بالماء البارد الذي ازمعت شربه على شدة ظمأ فيك.لذلك ولطمأنينة النفس يجب ان تأخذ حساب المفاجآت غير السارة.. بل وحساب ما وراء تلك المفاجآت في أعماق ما يلوب بذهنك.. حتى لا تكون وقائع الأحوال غير السارة.. أدوات تحطيم لذاتك.. أو مفاتيح يأس تغلق عليك أبواب الرجاء.
فالفرج دائما مع الصبر.
******
واذا كانت (القمة) العربية السادسة عشرة والتي عقدت في اليومين الماضيين في تونس بعد مخاض عسير.. قد وجدنا فيها (بصيصا) من نور بعد ظلام دامس تخبط فيه العرب طويلا.. فما ذلك الا تحت الضغوط الجماعية من الجماهير العربية التي وجدت لها في الفترة الاخيرة هامشاً كبيراً من حرية القول والنقد الصريح للقيادات والزعامات العربية.. والتي هي بالتالي ضغطت على نفسها.. لتتخلى عن (شيء من كل شيء) كانت تمارسه وكأن شعوبها في عداد الاموات، أو قطعان سائبة لا حساب لها.. الآن؛ الآن؛ بدأت تغير من نظرتها إلى شعوبها بقدر يجعلها تثق في هذه الشعوب وتثق الشعوب بها (والحق ضالة المؤمن).
ما تمخض عن هذه القمة العسيرة الولادة ومخيفة النتاج من قرارات جديدة لا سيما في تطوير الجامعة العربية التي جمدت طوال 46 عاماً يبشر بأن أبواب التطور والتجرد في السياسات والعلاقات العربية بعضها مع بعض.. ومع العالم فيما يصلح شأنها وشأنه قد فتحت.. لتدخل منها شموس الاخاء والتعاون بين الأشقاء الذين عاشت كثير من أقطارهم على حزازات وخلافات أكثرها ليست ذات بال يذكر.
******
وبالرغم من أن هذه القمة التي خشينا أن تحدث بين الدول العربية شرخاً أوسع مما كان... وبرغم تصرفات بعض (النكدين) ومثيري الغبار فانها خرجت من عنق الزجاجة أصح مما كانت عليه قبل بدايتها.
وما كان هذا النجاح - النسبي- المتمثل في قراراتها.. وصدق النوايا في متابعة تنفيذها .. إلا بتوفيق الله جل جلاله ثم بحكمة ملوك وأمراء ورؤساء هذه الدول.. حين استشعروا الخطر الداهم الذي يتهددهم من أعداء دينهم وعروبتهم وتراثهم الحضاري وقيمهم ومثلهم العليا.
ولعل هذه (الانتفاضة) الرشيدة للجامعة العربية عندما تتحقق على واقع الحياة.. هي احدى المبشرات الأولى بأن العرب قد ضاقوا ذرعا بالضعف والاستكانة والاستخذاء للأعداء.. ووجدوا أن لا مكان في هذا الزمان إلا للأقوياء..! خاصة أن عند العرب وأشقائهم المسلمين من القوة المادية والبشرية ما يمكنهم أن يوظفوها لفرض وجودهم ومكانتهم في العالم اذا هم أحسنوا التصرف بها!
|