يعد الكبد من أهم الأعضاء الداخلية في جسم الإنسان، نظراً لأهمية وظائفه وتنوعها، بداية من تصنيع البروتينات، وتخزين المواد السكرية، واستقلاب الشحوم، وإفراز العصارة الصفراوية الهاضمة، وحتى تخليص الجسم من الفضلات والسموم، ونظراً لتعدد وظائف الكبد، يتعرض لبعض المخاطر الناتجة عن استقلابه لبعض المواد التي يتناولها الإنسان، ومن هذه المواد بعض أنواع الأدوية، والكحوليات، التي قد تصيب الكبد بالعديد من الأمراض التي نتعرَّف عليها من خلال هذا التحقيق، في محاولة لتجنب أخطارها:
**********
الكبد والأدوية
في البداية يقول د. ستان ستانسليو استشاري الأمراض الباطنية بمستشفى الحمادي بالرياض: الكبد من أهم وأعقد الأعضاء الداخلية في جسم الإنسان، ويعتبر معملاً كبيراً متعدد الوظائف قائماً بحد ذاته، فهو يصنع أغلب البروتينات الموجودة في الدم، ويركب عدداً مهماً من عوامل التخثر، ويقوم بتخزين السكريات وهو العضو الرئيسي في استقلاب الشحوم، كما يشكل العصارة الصفراوية الهاضمة، وله وظائف مهمة في تخليص الجسم من الفضلات والأدوية والسموم بتحويلها لمواد قابلة للذوبان في الماء، تطرح عن طريق البول أو الصفراء كما يقوم باستقلاب عدد كبير من الهرمونات والأدوية.
ويعتبر الكبد من المراكز الرئيسية لاستقلاب الأدوية، والتي تتحول خلاله من أدوية قابلة للذوبان بالدسم إلى مواد قابلة للانحلال بالماء. واستقلاب الأدوية في الكبد يتم بطريقة معقدة على عدة مراحل، وكثير من الأدوية تؤثِّر على سرعة هذه التحولات في الكبد وهذا قد يؤدي إلى زيادة أو نقص في فعالية الأدوية الأخرى حسب نوع التأثير.
التأثيرات السمية الدوائية للكبد
ويقول د. ستان إن هناك - أيضاً - العديد من الأدوية التي تخفض من وظائف الكبد وتؤدي إلى تأثيرات سيئة على الكبد، وهذه التأثيرات قد تكون متعلقة بكمية الدواء، أي أنه لا تحدث هذه التأثيرات إلا بتناول كمية كبيرة من الدواء، أو تزداد بزيادة الكمية كما يحدث عند تناول كمية كبيرة من (الباراسيتامول)، أو قد تكون لا علاقة لها بكمية الدواء، والسبب غالبا مناعي كما يحدث بالهالوتان الذي يؤدي إلى تنخر كبدي عند بعض الناس.
أذية الكبد
ويضيف د. ستان: وتتنوع الأذيات الكبدية التي تحدث بسبب الأدوية حسب المادة الدوائية وتحدث هذه الأذيات غالباً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من البدء باستعمال الدواء، ويمكن للأذيات الكبدية أن تشابه جميع أنواع الإصابات الكبدية الأخرى، وهي قد تكون خفيفة كارتفاع خفيف بالإنزيمات الكبدية إلى تنخر كبدي شديد سريع قاتل إلى إصابات شديدة ولكن بطيئة كالتليف الكبدي وحتى أشكال من الأورام الكبدية، ويمكن أن تكون الإصابات الكبدية موجهة للخلية الكبدية وأحياناً للأوعية الصفراوية وأحياناً للأوعية الدموية الكبدية.
ويصعب تحديد إذا ما كانت الإصابة الكبدية ناتجة عن مادة دوائية أم لا، ويتم الاعتماد على القصة السريرة ونفي جميع الإصابات الأخرى المسببة للمرض، خاصة أن الأدوية المؤثرة على الكبد عديدة جداً وتوجد في جميع الزمر الدوائية : كالمسكنات مثل الباراسيتامول الذي يعتبر من أخطر وأكثر حالات التسمم المؤذية للكبد المشاهدة في الممارسة لاستعماله في حالة الانتحار وتوفره في جميع الأماكن، وهو يحدث تخرباً ناتجاً عن اتحاد غير قابل للتراجع مع جدار الخلية الكبدية في حال تناوله بكميات عالية جداً، وهناك أيضاً خافضات الضغط: كالميثيل دوبا الذي قد يعطي شكلاً مشابهاً للالتهاب الكبدي، ومضادات الصرع، الصوديوم فالبورات التي تؤدي إلى تنخر كبدي، كذلك الأدوية المضادة للسرطان : كالميتوتركسات التي قد يؤدي إلى تليف كبدي، إضافة إلى الهرمونات سواء الذكرية أو مانعات الحمل، والمضادات الحيوية، وهذه بعض الأمثلة وغيرها كثير جداً.
لذا لا بد من التنبيه على عدم استعمال الأدوية بدون استشارة طبية، مع العلم بأن جميع الأدوية المذكورة وغيرها تحدث هذه التبدلات عند نسبة قليلة جدا من المرض، ولكن يجب الحذر والتأكد من استعمال أي دواء من وجود كبد سليم أولاً ومراقبة حدوث أية أعراض جانبية والتوقف فوراً عن استعمال الدواء عند حدوث أية أعراض0 وتبقى العلاقة بين الطبيب والمريض والمراقبة السليمة هي التي تقلل من حدوث أية إصابات خطرة والكشف عن الإصابة بحالة مبكرة.
الكحول العدو الأول
من جانبه يؤكِّد د. حسام الدين البين أخصائي الأمراض الباطنية بمستشفى الحمادي بالرياض أن الكحوليات هي العدو الأول للكبد، حيث يؤثر شرب الكحول بكثرة على عدة أعضاء في الجسم كالمريء، المعدة، الكبد، البنكرياس والدماغ..إلخ، لكن أكثر هذه الأعضاء تأثراً على المدى الطويل هو الكبد، ونُقسِّم الأذيات التي يحدثها تناول الكحول بكثرة على الكبد إلى ثلاثة أنواع هي: تشحم الكبد، والتهاب الكبد الكحولي، وتليف (تشمع) الكبد وفي حين أن الأذيتين الأوليين قابلتان للتراجع فيما إذا توقف المريض عن شرب الكحول بشكل مبكر عند ظهورهما، فإن تليف (تشمع) الكبد ما أن يظهر فإنه يصبح غير قابل للتراجع.
وبالنسبة لتشحم الكبد الكحولي فإنه قد يتظاهر بشكل ضخامة في الكبد قد تكتشف صدفة خلال فحص المريض روتينياً من قبل الطبيب دون أن تكون هناك أي شكاية مرضية، ولكن أحياناً قد يتظاهر بألم في الربع العلوي الأيمن من البطن، وتترافق هذه الأذية (تشحم الكبد) بارتفاع وظائف الكبد بشكل معتدل عادةً، وعند أخذ عينة من الكبد وفحصها يظهر امتلاء الخلايا الكبدية بالدهون.
أما التهاب الكبد الكحولي فإنه أسوأ من تشحم الكبد ومضاعفاته المستقبلية أكثر وعادة ما يشكو المريض من الغثيان، الإقياءات، نقص الشهية، نقص الوزن والألم البطني، والفحص السريري للمريض يظهر عادة وجود ضخامة في الكبد وأحياناً ضخامة في الطحال، وإن ظهور اليرقان (اصفرار الجلد والعينين) أمر شائع وقد يكون شديداً، كذلك تضعف مناعة المرضى المصابين بالتهاب كبد كحولي ويصبحون أكثر عرضة للإصابة بالالتهابات الرئوية، البولية، والبريتوانية، وإذا ما استمر المريض في شرب الكحول فإن التهاب الكبد الكحولي يتحول تدريجياً إلى تليف (تشمع) الكبد وتظهر أعراض تجمع الماء في البطن (استسقاء)، وكذلك بعض العلامات الجلدية، وقد يحدث نزيف من دوالي المريء المتشكلة نتيجة تليف الكبد، وقد يصاب المريض باعتلال دماغي (غيبوبة كبدية).
وحول علاج الأذيات الكحولية للكبد يقول د. البين: إن العلاج الأساسي لأذيات الكبد الكحولية الثلاثة يبدأ بالتوقف عن شرب الكحول، والذي يؤدي لتراجع تشحم الكبد وعودة الكبد للطبيعي، وكذلك الحال في المراحل الأولى من التهاب الكبد الكحولي، حيث يحدث تراجع في الأذية ولكن في المراحل المتأخرة من التهاب الكبد الكحولي ومع حدوث التليف الكبدي فإن التوقف عن الكحول تكون فائدته ضئيلة وإن كان يفيد في عدم تسريع حدوث المضاعفات الخطيرة كالغيبوبة الكبدية وغيرها.
|