عطاءات خير تشرق علينا في كل يوم، وولاة أمور يبذلون كل وقت وجهد ومال في سبيل رفعة الوطن والمواطن، هكذا تعودنا من حكومتنا الرشيدة، حكومة الخير الطيبة في عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني أمير الخير سلطان بن عبدالعزيز واجهة الأسرة المالكة الكريمة التي منها وبها بعد الله الخير ، نسأل الله القدير لهذه الأسرة الشامخة كل رفعة وأن يحفظها من كل شر وسوء وأن يكرمها بكرمه.
بالأمس القريب فتحت نافذة نور جديدة، هبة لا تكاد توصف أهميتها، أطلت على مجتمع المملكة خيرا وفيرا بإعلان سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني تحويل كليات البنات بالرياض إلى جامعة وافتتاح ما تم إنجازه من المرحلة الأولى من الكليات، وأذن ببدء العمل في المرحلة الثانية وتقدر التكلفة للمرحلتين بـ450 مليون ريال، وقد أثلج هذا صدور قوم مؤمنين وشفى غليل كثير من المتعطشين لقيام التعليم العالي للمرأة السعودية ككيان مستقل بذاته.
إنه عيد للطالبة السعودية منَّ الله به على أيدي أولي الأمر المؤمنين المخلصين، ففي المملكة حفظها الله مائة وكليتان للبنات منتشرة في أرجائها، ست عشرة منها تمنح الماجستير والدكتوراه، ويزيد عدد المسجلات فيها لهذا العام على 122 ألف طالبة، ويزيد عدد الطالبات في مراحل التعليم العام على مليونين وثلاثمائة ألف طالبة، وما العدد الوفير من الجامعيات، وحاملات الماجستير والدكتوراه إلا ثمرة هذه الجهود المبرورة في التوسع الرأسي والأقفي في تعليم الفتيات، ونحمد الله أن المربيات العاملات في مراحل التعليم المختلفة يتمتعن بكثير من الصفات الحميدة، وعلى رأسها الإخلاص في العمل والتفاني فيه، بالإضافة إلى الكفاءة العلمية والتربوية.
والتعليم في بلادنا وغيرها من البلاد يواجه تحديات عديدة تفرضها طبيعة العصر، منها التكاليف المالية المرهقة لميزانيات الدول، ومشكلة المواصلات ذهابا إلى المؤسسات التعليمية وإيابا منها.. ومن الحلول الناجعة - إن شاء الله - التي أخذت بها المملكة (مشروع التعليم عن بعد) الذي سيتم تطبيقه - بإذن الله - مع بداية الفصل الدراسي الأول للعام الجامعي 1425-1426هـ، والمشروع عبارة عن إنشاء مركز رئيس في الرياض يتم من خلاله بث المحاضرات (حية) إلى جميع كليات البنات في المملكة عبر الأقمار الصناعية، ويتم تصميم ونشر المقررات الدراسية من خلال موقع خاص على شبكة الإنترنت، وقد أعلن معالي وزير التربية والتعليم الدكتور محمد بن أحمد الرشيد أنه تمت ترسية المشروع على إحدى الشركات الوطنية، والمأمول أن ينتهي في غضون أشهر قليلة بإذن الله، وهذا كله له دلالات مشرقة لا يستطيع ذو بصيرة إغفالها، أولها الاهتمام بالمرأة في المجتمع وتحصينها علميا وفكريا، من منطلق: (النساء شقائق الرجال) كما جاء في الحديث الشريف.
دعونا نستنبط المعاني من هذا المشروع الحيوي المهم، أولها أن الاهتمام بالمرأة نابع كما هو جلي من التشريع الإسلامي، الذي منحها الحياة الكريمة الشريفة، والاستقرار في بيت الزوجية، والتفرغ لأسرتها، والحصول على العلوم التي تساعدها في جميع شؤون حياتها، فالمعرفة والقيم والأخلاق جزء لا يتجزأ من سمات المرأة المسلمة التي أرادها الدين الإسلامي، ألم يقل الرسول العظيم صلى الله عليه ولم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك..) ومن هي ذات الدين؟ أليست التي تلم بقسط من علوم الدين وفقهه وحلاله وحرامه وقسط آخر من علوم الدنيا التي تؤهلها لقيادة أسرتها وتربية أطفالها التربية الحسنة الصالحة؟ فهي المرأة المتعلمة دون شك.
ثانيها أن إعلان سمو ولي العهد تحويل كليات البنات بالرياض إلى جامعة وافتتاح كلية جديدة والإذن ببدء العمل في المرحلة الثانية من هذا المشروع الكبير يدل بوضوح على مدى اهتمام أولي الأمر بتعليم المرأة، مستجيبين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله)، وإنه لأمر أثلج صدور رجالات التربية والتعليم كما أثلج صدور الطالبات في الكليات، لما فيه من تقدير لهن من ناحية، ولما سينتجه من رفع معنوياتهن من ناحية ثانية.
ثالثها ان الإنفاق على ستة عشر ألف مدرسة للتعليم العام الخاصة بالبنات يعد أكبر عملية استثمار تربوي للإنسان، وهي تتم في المملكة لصالح تفعيل حقيقي لدور المراة في الحياة والمجتمع وإذا أضفنا إلى ذلك الإنفاقات الكبيرة على كليات البنات وتأسيس الجامعة فإننا نجد بذلك تحسينا جليا لوضعها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي يضعها في طليعة نساء العالم، إذا أخذنا بالحسبان نسب المرأة في المجتمعات ونسب المتعلمات، وإذا لم يغب عن الذاكرة أنه لعقود قليلة خلت كانت المعلمات في مراحل التعليم الأولى من غير مواطنات المملكة العربية السعودية.
ورابعها أن هذا الاهتمام الكبير والمبرمج من أولي الأمر بتعليم البنات يوازيه اهتمام مماثل بتعليم الشباب، وهذا يعني نسبا جديدة لصالح العلم والمعرفة مما يجعل نسبة الأميين في المملكة تساوي نسبهم، في أكثر دول العالم تقدما وحضارة.
خلاصة القول إن سمو الأمير عبدالله ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني قام بإطلاق الجامعة (جامعة البنات بالرياض) وقد رافق سمو ولي العهد خلال الجولة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية وصاحب السمو الملكي الأمير ممدوح بن عبدالعزيز رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، كما حضر ذاك الحفل الكبير عدد كريم من أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي الوزراء وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين مما يدخل ويؤكد حرص رجالات المملكة واهتمامهم الكبير في هذا السبق الكريم، وما هذا بغريب من أسرة تطل علينا عطاءاتها الكريمة في كل يوم.
فهل انتهى المطاف هنا أم أن عملاً مهماً سيبدأ الآن من أجل ترجمة ذلك إلى واقع ستفتخر به المرأة في المملكة العربية السعودية؟ كما يفتخر به رجالها زمنا طويلاً بإذن الله، نسأل الله العزيز القدير أن يلهم ولاة الأمر ويدلهم على طرق سبل الخير تكريماً وتنفيذاً وإبرازاً لقيم الدين السمحة، ولخير المواطنين ورفعة الوطن، وإنني بدوري أشارك كل اللائي أصابهن مطر الخير فأدعو الله أن يحفظ ولاة أمور المملكة ملكاً وولي عهد وأمير خير وبطانة صالحة رشيدة إنه هو السميع العليم.
الرياض/فاكس: 014803452 |