Monday 24th May,200411561العددالأثنين 5 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

من أرض بلقيس من أرض بلقيس
د. موسى بن عيسى العويس/الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة - الرياض

من أرض بلقيس ..!هذا اللحن والوتر، من جوها هذه الأنسام والسحر، من صدرها هذه الآهات، من فمها هذي اللحون، ومن تاريخها الذكر، من هذه الأرض هذي الأغنيات، ومن رياضها هذه الأنغام تنتشر، من هذه الأرض حيث الضوء يلثمها، وحيث تعتنق الأنسام والشجر، شخصيات عظيمة، تقف شامخة على مسارات تاريخنا الأدبي، قلّ أن يخلو منها عصر من العصور، أو جيل من الأجيال، في كل قطر من أقطار العالم العربي، تظل أطيافها النادرة مسرى للخواطر، ومجتلى للأفكار، تأنس الأجيال بآثارها، وتهتدي بآرائها متى ألحت عليها الحاجة، ودعتها الدواعي إلى إحيائها، لتقييم الواقع، وتوجيه مساره، حتى لا تدع مجالاً للتعثر أو النكوص. وكم نحن بأمس الحاجة في هذا الزمن المضطرب إلى استدعاء هذه الرموز:أولئك الذين التحفهم الثرى، وطوتهم الأيام، وتقادمت عليهم السنون، سواء كانوا رجال سياسة، أو أدب، أو ثقافة، أو اجتماع، إذ ربما زرعت فينا صورتهم المثالية الثقة، وأيقظت فينا الطموح، وأنعشت بنا الأمل، وقتلت اليأس، ونفضت عنا لباسه، ونقلتنا بكفاحها الفكري من الهم الذاتي إلى الهم الاجتماعي.
والشاعر اليمني (عبدالله البردوني) واحد من أولئك الذين سيجدون من التاريخ حفاوة ومن الأجيال كل إكبار وإجلال، إذ هو من النادرين الذين ناصروا عروبتهم، وتفانوا في خدمتها، وذبوا عن تراثها وحضارتها، وناضلوا عن اسمها، ولونها، ولقبها، في زمن الانحدار والانكسار. ترسّم خطى أسلافه من شعراء النضال، ممن دفعوا ثمن الكلمة غالياً، فقتل بعضهم، ومات وسجن وعذب أكثرهم، لكنهم عدوا دماءهم الزكية قرابين على مذابح الحرية.
ورغم قساوة الواقع الذي أحاط بظروف نشأته وهيمن على أجواء بيئته، شأنه شأن المغتربين في ديارهم من سائر المناضلين الأحرار، إلا أنه لم يترك لليأس مجالا يتسرب من خلاله إلى مسيرة الحضارة التي ينتسب إليها، وتجسدت إيجابيته نحو أمته في أقواله وأفعاله، بعد أن شكت الأفول، فنافح بلسانه في أكثر من محفل ومناسبة، وكافح بقلمه في أكثر من مقال وقصيدة لإيمانه بقوة الكلمة الصادقة وقدرتها على التغيير، ولم يقف عند النحيب والعويل على واقع أمته، والنقد والتجريح لرموزها وحسب، كما هي حال بعض القوميين، بل كان يدفعها للتفاؤل ويبعث فيها الأمل، ويوقد في جسدها العزيمة، ويستفزها نحو المعالي !فهو يعي رسالة الإنسان أياً كان منزعه واتجاهه، وأياً كان موقعه ومكانه، ودونك هذه الرؤية أو الصورة لأمته التي عقد عليها الآمال، علها تجتاز الغروب إلى ضحى مشرق، ليقول فيها بعد عرض لواقعها المزري:
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت في الحلم، ثم ارتمت تغفو وترتقب لكنها رغم بخل الغيث ما برحت حبلى وفي بطنها (قحطان) أو (كرب) وفي أسى مقلتيها يغتلى علم ثان، كحلم الصبا ينأى ويقترب سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا يوماً ستحبل من إرعادنا السحب، ألا ترى يا (أبا تمام) بارقنا؟ إن السماء ترجى حين تحتجب، والإنسان العربي حين يحمل هموم واقعه، وانتكاسات عصره المتلاحقة، طبيعي أن يأتي نتاجه مصبوغاً بمداد من دمه، الملتهب بالأسى، والممتزج بالحزن، لذا لم يخل شعر (البردوني) أحياناً من قسوة الخطاب، وحدة العبارة، الذي ربما يعود إلى الرغبة الصادقة في تأجيج الحمية في النفوس، واستنهاض الهمم باستفزاز القيم، وبخاصة وقد أنس من لداته ركوناً إلى الدعة، ورضى بالواقع السيء، بل ربما دفعته قوميته تارة إلى تجنب الملاينة والمداهنة والمحاباة حتى لحكام عصره، علهم يعون المخاطر المحدقة، والمكائد المحيطة، ويلتفتون إلى أسباب الحياة الشريفة، كي تستعيد أمتهم على أيديهم سيادتها وسعادتها، ولذا تجده يقول ناقداً وناقماً في الوقت نفسه على هذا الخنوع: (واقبح النصر نصر الأقوياء بلا فهم، سوى فهم كم باعوا، وكم كسبوا أدهى من الجهل علم يطمئن إلى أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا هم بفرشون لجيش الغزو أعينهم، ويدعون وثوباً قبل أن يثبوا، القاتلون نبوغ الشعب ترضية للمعتدين وما أجدتهم القرب، لهم شموخ (المثنى) ظاهراً ولهم هوى إلى (بابك الخرمي) ينتسب).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved