لا شك أن الشعوب والمجتمعات يقاس تقدمها بثقافاتها وسلوكياتها ولا سيما من ناحية تقدمها الحضاري، ومعروف أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية ثقافتها الاجتماعية والسلوكية هي سبب تخلفها وسبب ما يحصل في حياتها من سلبيات سياسيا واقتصاديا وثقافيا. والمجتمعات هذه تعرف السبب ولكنها بهذا الإرث الثقافي وأعني بالثقافي مجموعة ثقافة القيم والتقاليد والتربية...إلخ. وهنا ليس لنا من محيص من هذه العوائق التي ساهمنا نحن كمجتمعات في تكريس سلبياتها لأننا لا نريد الخروج من مساوئها وان سأل أحد من المتنورين في مجتمعاتنا عن كيفية الخروج منها فإني أقول له مقولة أعجبتني من أحد الأصدقاء عندما قال: هذا هو قدرنا كمجتمع مسلم وعربي دائما خطواتنا تراجعية وليست تقدمية. هل هذا الكلام هو قمة اليأس أم هو واقع ملموس؟ أنا لا ادري لكني اعتقد ذلك ما لم تتغير البنية التحتية لمجتمعاتنا.
أعود لأتحدث فأبدأ بسؤال: لماذا نشاهد سلوكيات سلبية تمارسها الطبقة المثقفة أو لنقل الواعية في مجتمعنا مثل الأسلوب في التعامل مع الآخرين كذلك في الأماكن العامة مثل التهور في قيادة السيارات وتجاوز الإشارات الحمراء والوقوف الخطأ وانتهاك الذوق العام والإخلال بالأمانة الوظيفية واستخدام السلطة الوظيفية للمصالح الخاصة أو للانتقام من الآخرين وانتهاك الأنظمة والقوانين المنظمة لمصالح الناس...الخ. ولا يمكن حصر هذه السلوكيات السلبية التي اقصدها والغريب أن اغلب منتهكي هذه الأمور هم من العقلاء الذين بلغوا من العمر والثقافة عتيا. إذن ما السبب؟ أنا لست خبيراً ومتخصصاً في علم الاجتماع أو علم النفس، ولكني مراقب وعضو في المجتمع أستطيع أن ألخص ذلك بأنه ناتج عن أننا مجتمع اغلبنا مثقف ثقافة عامة وليست ثقافة سلوكية والثقافة السلوكية هي الثقافة المقترنة بالممارسة السلوكية للأفعال والأقوال والثقافة العامة موجودة بمجتمعاتنا العربية والمسلمة لكن ما فائدتها إذا كانت موجودة مع وقف التنفيذ؟ إن المطلوب أن تفعل هذه الثقافة لتكون سلوكاً وممارسة لبناء مجتمع متحضر متطور يرفع من مقومات النهضة والتقدم في بلادنا، لا أن تبقى هذه الثقافات في أذهاننا وأرشيفات الحفظ العقلي لدينا نتباهى بها في مجالسنا ومنتدياتنا، وهذا في نظري اهتمام بالقشور التي لا تغني ولا تسمن من جوع وفي نظري أيضاً أن هناك أمورا قد يصفها البعض بأنها قهرية هي التي تتحكم في تعطيل تفعيل هذه الثقافة السلوكية وهي ارثنا الثقافي والتربوي والقيم والتقاليد التي تتميز لدينا بقوة الالتصاق الذهني والفكري والسيطرة على معتقداتنا، ولا ننسى أننا مجتمع قبلي حتى الآن؛ فثقافة القبيلة لها السيطرة على الحياة الاجتماعية بشكل مذهل حتى لأقوى الأشخاص المحاربين لها؛ إذ لا يمكن للإنسان أن يقفز على تقاليد مجتمعه وإلا اعتبر من المارقين.
أنا هنا لا أطالب بالتخلي عن القيم المجتمعية لنا وخاصة ما هو جيد منها ونبيل ولكن هل الممارسة الخاطئة للسلوك أو انتهاك الأنظمة أو خدش الذوق العام أو محاربة العلم والتطور سلوك لنا قديما كان أم حديثا؟ بالطبع لا. نحن نريد أن تقوم الطبقة المثقفة والواعية بزمام المبادرة ولو كانت هذه الفئة قليلة بتبني ممارسة السلوكيات الحسنة والإيجابية في كل شيء ولا تلتفت إلى أنها تغرد خارج السرب، فالمجتمع ينهض به قادته ونخبته المثقفة ويجبرون البقية طوعاً على انتهاج هذه السلوكيات عندما تجد هذه الفئة أنها مرفوضة السلوك ومعابة في ممارساتها. ونحن نعرف أن الملك عبد العزيز رحمه الله بثقافته ووعيه جاء فقاد المجتمع لصحوته بفضل حنكته السياسية والثقافية السلوكية فأسس مجتمعا ودولة مع أن مجتمعه كان منهمكاً في الجهل والتخلف.
|