بعد أن اختفى تقريباً الحديث عن الشعر في وسائل الإعلام المحلية جاء الدور على الكتاب.. لم يعد هناك متسع من الوقت للحديث عن الكتاب.. ربما بسبب الكمبيوتر، أو بسبب الفضائيات، أو بسبب العولمة، وعقلية الربح، أو بسبب الرقابة التي حطّمت تجارته كل التحطيم.
كل أسبوع تقريباً أدخل مكتبة من المكتبات، وأخرج منها لم أشتر كتاباً.. لا أتذكر متى اشتريت آخر كتاب من داخل المملكة.. أصبحت علاقتي بالمكتبة تتصل بالأدوات المكتبية لا بالكتب، رغم أني في يوم من الأيام أدنت الخلط بين الكتب والأدوات المكتبية سواء في الاسم أو في المتجر.
نتحدث عن زمن الحوار وزمن الانفتاح وزمن التسامح، وكل جهة تأثرت بهذه الدعوة الرشيدة إلا الكتاب ظل عن الرقابة بعيداً، وتمشكلت مع بعض الإخوة في وزارة الإعلام، ولا أعتقد أن الوقت قد حان لإغضابهم مرة أخرى، والشيء الثاني، فموضوع الرقابة موضوع طويل وممل، ولا علاج له.. يقول كثير من الكتّاب الذين يحاولون اختراق الرقابة على الكتاب إن الرقابة أصبحت قديمة ولم تعد مؤثرة معللين ذلك بدخول الإنترنت والفاكس وغيرهما من وسائل الاتصال التي سوف تُحضر الكتاب رغم أنف الرقابة.. لو كان الأمر كذلك لما انشغل هؤلاء الكتّاب بالكتابة عن الرقابة، وطالبوا بإجراء تعديل عليها، فهم يعرفون أن هذه الوسائل جاءت بمادتها وثقافتها ولم تأت كبديل عن الكتاب، ولأني من الناس الذين أسهموا في نقد الرقابة وطالبوا بإلغائها.. أرى أن الوقت حان لننظر إلى الأمر بصورة أكثر إبداعاً.. إذا عجزت عن هدم الجدار لا يعني أن تجلس تنوح تحته، ربما كانت المشكلة الأساسية ليست في الرقابة ربما كانت الرقابة جزءاً من مشكلة أكبر أو عرضاً من أعراض مشكلة أخرى.
التجأ رجل إلى جذع شجرة عندما تربص به ضبع، فأسند ظهره للشجرة وأخذ يراقب الضبع لكي لا ينقض عليه, فأخذ الضبع يدور حول الشجرة التي يستند عليها الرجل، واستمر الرجل يواجه الضبع وجهاً لوجه ويتحرك مع الضبع كلما ذهب إلى جهة ذهب معه وهو ملتصق بالشجرة.
السؤال الآن: هل لف الضبع على الرجل أم لا؟.. إذا تذكرنا أن الضبع لم يشاهد ظهر الرجل أبداً لكنه في الوقت نفسه رسم دائرة كاملة حول الشجرة التي يسند الرجل نفسه عليها، والرجل بالطبع أصبح في داخل الدائرة التي رسمها الضبع. هل يُعتبر الضبع لف حول الرجل أم لا.. انقسم المتحاورون حول هذه المشكلة الفلسفية، فبعضهم يرى أنه لف حوله باعتبار أن الرجل هو جزء من الشجرة والضبع لف على الشجرة، بينما آخرون قالوا إن الضبع لم يلف على الرجل لأنه لم يشاهده من كل الاتجاهات.. عين الضبع لم تقع على ظهر الرجل.
عندما احتكموا إلى وليم جيمس الفيلسوف الأمريكي قال: إن القضية لا تكمن في الحركة، القضية تكمن في اللغة.. تكمن في وصف ما جرى.. ما معنى (لف) أو (دار حول)، فكل واحد منكم يتكلم عن تعريفه لكلمة (لف حول) ولا يتحدث عما حدث بالفعل.. هل (لف) تعني أحاط بالشيء، أم أنها تعني دار حول الشيء؟ فلو جلس المتحاورون ألف سنة فلن يخرجوا باتفاق حول القضية لأنهم كانوا ينظرون إلى القضية بعيداً عن أساسها، لأن مشكلتهم لغوية وليست مادية.. أي قضية لغوية مسقطة على حدث مادي.
بناء على هذه القصة ربما كان لدينا مشكلة مع كلمة رقابة.. ربما كانت هذه الكلمة لا تعني بالضبط الإجراءات المادية التي تُطبق وتمنع دخول الكتاب المملكة أو انتاج الكتاب الجيد.. لعل هناك مشكلة أخرى في مكان آخر هي التي تملي وجود الرقابة.. ربما تكون الرقابة غطاءً سيكولوجياً نخفيه عن أنفسنا, أعتقد أنه قد حان الوقت لإعطاء الفرصة للتفكير الخلاق لحل كثير من المشاكل وأقلها الرقابة.
فاكس 4702164
|