لو تحركت القمة العربية بضع خطوات باتجاه التجاوب مع طموحات الشارع العربي فإنها تكون بذلك أسهمت في الابتعاد بشعوب المنطقة من حالة الإحباط الناجمة بشكل خاص من تكالب المصائب على هذه الأمة وعجزها عن الارتقاء إلى مستوى التحديات، وبالتالي القعود عن اللحاق مع عالم يحث الخطى نحو آفاق واعدة من الحياة الحرة الكريمة التي تتحقق، في جانب منها، من خلال التعاون بين شعوب المنطقة الواحدة.
وفي الحالة العربية ليست هناك فقط منطقة جغرافية واحدة بل هناك جملة من نقاط التلاقي القوي التي تحتم توحداً في الرؤى والمواقف التي كان ينبغي أن تحيل هذه المعطيات النادرة إلى آليات تبعد في البدء المنطقة ككل من هذا الاستهداف وتثبت حقوقها وتعيدها وتجعلها صنواً لما هو مأمول من شعوب تتوفر لها مقومات الانطلاق القوي ومواكبة هؤلاء الذين يقودون الآن التطور والإبداع الإنساني.. يتعين إذن فعل الكثير لاحتلال الموقع المفترض لأمة تتوفر لها مثل هذه المقومات.. لكننا وبحكم حقائق الواقع المرة، مطالبون بإنجاز أعمال تتصل بالبنيات الأساسية الخاصة بالانعتاق من سلبيات أصبحت من مخلفات الماضي في اهتمامات الذين يتصدون لمعوقات التطور الإنساني.. فالمعضلات الماثلة أمامنا تتناول أبجديات بناء الحاضر الوطني على أنقاض الاحتلال والاستعمار.. ففي منطقتنا ما زلنا نواجه مشاكل التحرر من الاستعمار والاحتلال، وفي مثل هذا الواقع، لا تتوفر إمكانية الحديث عن قيادة للعالم أو تبوؤ موقع متقدم.. لكن هناك وعياً في المنطقة بأنه لا بد من الانعتاق من السلبيات، وهناك دائماً صيغة تبدو وكأنها سحرية قد تجعل من السهل تجاوز المراحل وطي مساحات المستحيل واختصار الزمن، وهي تتمثل في التضامن الذي يستقطب الإيجابيات في هذا الكل المتعدد من الدول ويكرسها لصالح المجموع كما ينازل بها في ساحات التعاطي والتفاعل الدولي وما يتصل بميادين التجارة والاقتصاد والاختراعات والفنون والآداب.. فالتفوق في كل هذه المجالات يخلق واقعاً مزدهراً ويعكس الإفادة من ذلك التنوع الذي يوفره تفعيل التضامن.
القمة التي تنعقد في تونس مطالبة بمخاطبة هذه الحاجة الملحة للتضامن، ومجرد التوافق على الصيغة والإصرار عليها يعيد الأمل في إمكانية تجاوز هذا الكم الهائل من المشاكل، فالاحتلال أينما كان ترعبه الكلمة، لكنها تزلزله حقيقة عندما تخرج من مضمونها اللفظي إلى واقع الممارسة الفعلية، كما أن الاقتصاد يزدهي حقيقة عند إحالة التطلعات، في تنمية التجارة البينية والتبادلات العربية، إلى ممارسة عملية، وهذا هو الحال في جميع المجالات.
|