تتعدّد التفسيرات لظهور تلك الصور المأساوية التي رآها العالم لبعض سجناء (أبي غريب) في العراق، وتكثر التأويلات حول هذه الصور التي أبرزت الوجه الحقيقيَّ للمحتل، وتكثر التساؤلات عن السبب الحقيقي وراء ذلك، وبالرغم من كل التفسيرات لنشر هذه الصور، فإنها تحقّق للمحتل بعض ما يصبو إليه، مع أنها - في شكلها الظاهري - تفضحه وتسيء إليه.
ولربما كانت التفسيرات صحيحة في مجملها، فقد يكون السبب هو تغطية ما حدث في الفلّوجة من تدمير يدلُّ على فظاعة المحتل، ومن هزيمة نكراء أصيب بها المحتل في الوقت نفسه، جعلته يقبل بالهدنة ويخرج من الفلّوجة صاغراً، ولا شك انَّ إشغال العالم ووسائل إعلامه عن إبراز الانسحاب الأمريكي من الفلّوجة، وإظهار الخسائر البشرية التي مُني بها فيها هدفٌ استراتيجي مهم، لأن خروج جيش الدولة العظمى مهزوماً من بلدة صغيرة كارثة عسكرية، وهزيمة نفسية للجيش الأمريكي لا تحتملها الحالة الراهنة، فالصور التي نُشرت أهون أثراً من ذلك بلا شك.
وقد يكون السبب في نشر الصور جس نبض المسلمين دولاً وشعوباً لمعرفة المدى الأقصى لغضبهم وثورتهم على المحتل، حتى يكون قادراً على تحديد آثار الخطوة التالية بعد العراق.
وقد يكون السبب زيادة إذلال المسلمين، وإحداث هزيمة نفسية لهم، تجعلهم يقفون مشدوهين خائفين من مثل هذه الأعمال الشنيعة التي جرت لإخوانهم في العراق الجريح.
ولربما كانت الحرب النفسية سبباً مهماً، فلا شك أنَّ الصور قد هزّت كثيراً من الناس، وأحدثت في نفوسهم شعوراً بالأسى الشديد، والخوف الشديد من حامية الديمقراطية وراعية حقوق الإنسان التي أصبحت تتعامل مع المسلمين تعامل الوحوش الضارية بلا رحمة ولا هوادة.
ومهما كانت الأسباب، فإنَّ النتائج لن تكون في صالح المحتلِّ الظالم، وإنها لدليل على البصيرة العمياء، وعلى اقتراب تطبيق السنّة الكونية الربّانية في إنهاء الظالم، والقضاء على طغيانه، وتحطيم قوّته التي استخدمها في محاربة الله عز وجل في كل الميادين.
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} مهما بلغت قوة الظالم، ومهما وصلت مكانته في الأرض.ليت عقلاء أمريكا يسارعون بإيقاف هذا الانحدار نحو الهاوية، وليتهم يعودون إلى الحق ويدركون هذا النزول الرَّهيب الذي يحصل لدولتهم.
إنَّ الظالم مهما تمادى سينتهي إلى هزيمة وخسران، فإنَّ الله عز وجل يمهل الظالم حتى إذا تمادى في ظلمه أخذه أخذ عزيز مقتدر، ولم يمهله، وفي حياة البشر عبر الأزمان قديماً وحديثاً أدلة واضحة على ذلك، ولكن أهل الباطل لا يفقهون.
لقد تعالى فرعون وتجبَّر وتكبَّر، وطغى في البلاد، فكانت نهايته الغرق ذليلاً حقيراً، وطغى النمرود وكانت نهايته من حشرة ضعيفة لا تملك حولاً ولا قوة، وتلاشت دولٌ طغت، وهيمنت فأصبحت أثراً بعد عين.
إنها حقائق واضحة لا تخفى على صاحب بصيرة وعقل وإيمان.
والله إنَّ سفينة الدولة العظمى لتغوص في بحر الهلاك دون أنْ يشعر قادتها المتعصِّبون، فلا يصح للمسلمين أن ينالهم يأس أو قنوط ما داموا على صلة وثيقة برب العالمين.
إشارة:
كلّ الأباطيل لا يبقى لها أثر
إذا انجلت عن جبين المَشرقِ الظُّلَمُ |
|