ربما لا يختلف العقلاء في العالم حول أهمية عقد اجتماعات القمم على مختلف المستويات القطرية، والدولية، وهم يتفقون أيضاً - كما يمكن التنبؤ به - على أن تلك الاجتماعات إذا لم تتوافر على الحدود الدنيا، ليس من الفعل المؤثر في مسيرة الإنسان والبيئة، ولكن فقط من حفظ ماء الوجه، فإن مثل هذه القمم تتهاوى وتصبح نسيا منسيا، حتى وإن تناقلتها وسائل الإعلام، وتسابق المريدون لها، ومنها لإنعاشها، وانتعاشها وسط الركام العالمي المعاصر، المحمّل بأعباء التاريخ والجغرافيا والإيديولوجيا. القمة العربية كانت حلماً منتظراً كلما أزفت، وكانت خلاصاً مؤملاً كلما ادلهمت الخطوب على الإنسان العربي، لكن القمة العربية اليوم أمر مختلف جداً، بعدما حل في فلسطين، وفي أفغانستان، وفي العراق، وبعد كل التلميحات في كل مكان عربي، وبعد أن تعالت صرخات الثكالى، وذرفت دموع الشيوخ العرب المكلومين، وانفطرت كبد الطفل البائس من شدة البكاء، ومن ألم النكبات العظام على جسده الصغير. اليوم.. ما الذي ينتظره العالم العربي من قمة (مقفهرة) تحاول أن تجمع شتاتها في بيئة عربية ودولية أشبه بالركام والأطلال، منها بالمنظومة الدولية المعتبرة وفق التشريعات العالمية المحترمة؟ الأمل في القمة العربية شيء جميل، والسعي الجاد للإفادة من المنظومات السلمية للتفاهم العالمي شيء أجمل، لكن الواقع المعاصر قد نفض البساط من تحت كل الكيانات المحترمة، فاختلط في عالم اليوم الظالم بالمظلوم، وتداخلت فيه الحقوق بالواجبات، وانتفت في معظم جنباته حرمات الشرعية الدولية، وسيادة القانون الدولي، وحلت محلها شريعة الغاب بالقدر الذي بات ينظر إليه الأعمى فيكاد يراه، ويستمع إليه من به صمم فيكاد يسمعه، لكن القمة العربية - مع هذا كله - تتماسك وتجمع قواها المتهالكة لتقوم، ويجتمع العرب - من جديد - بعد أن كادوا لا يعودون لاجتماع من هذا الباب، ويبرز السؤال الأهم والأكبر: ما الذي يمكن أن تقدمه القمة العربية اليوم؟. قد يكون جواب الشارع العربي في استفتاء يقوم على الظن الذي أجريه الآن: لا شيء. وإن لم تكن هذه إجابة الشارع العربي بالفعل، فلا أقل من أن تكون تدور بخلد كثيرين من المتابعين للشأن العربي، وعلى أقل تقدير، فهذه هي الإجابة التي اعتقدها. ذلك أنه حتى تتمكن اجتماعات القمم العربية من ملامسة احتياجات الشارع العربي بالفعل، فربما كان عليها أن تغير نظرتها للآليات المعتادة القائمة على دراسة مشروعات جاهزة أو شبه جاهزة يراد الإقناع بأنها ستقوم بدور (عصى موسى) في تعديل المعوج من الأشياء، وإبدال الخوف أمنا، والفقر غنى، والجوع شبعا، والفوضى نظاماً، والمهانة عزا، والاحتلال حرية!! الواقع العربي اليوم أكثر تعقيداً من أن تنقذه القمم العربية التقليدية، رغم كل الجهود المميزة والرائدة التي تبذلها بعض الدول العربية في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما بقي من أشلاء الجسد العربي، لقد تكوّن المشكل في أصل المنظومة الراعية لهذه القمم: جامعة الدول العربية، فالجامعة اليوم مطلوب منها - أكثر من أي زمن مضى - أن تخاطب العقل العربي بما يستحقه من وضوح الرؤية، واستشراف المستقبل. استراتيجيات جديدة محدودة المدة الزمنية، معلنة الأهداف، قابلة للنقاش والتطوير، منفتحة الأفق السياسي والثقافي، يدعمها عمل إعلامي ضخم للتعريف بها، وطلب المشاركة في صياغتها، قد يكون الأمر الفصل في كسب ولاء الشارع العربي، وفي الإجابة عن تساؤلاته، وتحقيق طموحاته، لم يعد مقبولاً اليوم أن تعمل الجامعة وكأنها منظومة إدارية وحسب، بل لابد من الانطلاق من حقيقة أنها يجب أن تكون حاضناً استراتيجياً لتطلعات الشعوب العربية، وناقلاً أميناً لتلك التطلعات للقيادات السياسية عندما تجتمع في اجتماعات القمم، ربما استطاعت القمة العربية أن تحقق شيئاً جوهرياً عندما تجتمع لمناقشة وإقرار نتائج دراسات علمية عملاقة أعدتها الجامعة العربية عن الواقع العربي، وعن علاقاته الدولية بالشكل الذي تكون فيه تلك الدراسات نتاجاً حقيقياً لما يريده العربي ويتطلع إليه، ومن غير ذلك، ستبقى قممنا العربية بين المد والجزر، بالشكل الذي ربما لا يربح فيه غير شركات الإعاشة، والإسكان، والخدمات المساندة.
|