يتحدث القوم عن البطالة...
يحصدون عواملها، ويَحْصُون نسبتها، ويعقدون المقارنات في سبيل الوقوف على كم - كيف - إلى متى، ومن ذا الَّذي سيأتي بالعصا السِّحريَّة كي يضرب بها على ظهر البطالة ويقلب مجنَّها كي يجدوا (فجاءة) أنَّ النَّاس جميعها تتأبَّط فجراً مفاتيح أبواب أعمالها، وفي نهاية كلِّ شهر هناك طوابير العاملين، والعمَّال، والموظَّفين، والشَّاغرين، لأماكن العمل، المسدِّدين لثغرات فراغ المجتمع أمام أبواب البنوك كي يحصدوا ثمار عرقهم وكفاحهم. وأنَّ المجتمع تهدر فيه المصانع، وتجري فيه المواصلات، وتصعد وتهبط فوق أرضه الرافعات الخافضات للبناء والتَّعمير، وأنَّ المحال التِّجارية، والعيادات، والمصانع، والمطابع ودور النَّشر، ومراكز البحوث والتَّدريب، ومؤسسات الخدمات والتَّعليم، والاقتصاد والتِّجارة جميعها تتفاعل وتعمل وتتحرَّك فلا مكان شاغرٌ، ولا إنسان عاطلٌ، وبأنَّ الحركة تدبُّ في اللَّيل وفي النَّهار، وأنَّ هناك من يعمل تحت الأرض كما هناك من هو في عملٍ فوق الأرض، في المنافذ جميعها، وعلى الثُّغور وفي الدُّور، صيفاً، وشتاءً، وخريفاً وربيعاً...
يتحدَّثون عن البطالة، والشَّوارع بجميع طرقها، وأزقَّتها، وممرَّاتها، ودروبها تكتظُّ بالنَّاس يقودون عرباتهم ليلاً، ونهاراً، على مدى الثَّانية، في الدَّقيقة، في السَّاعة، في اليوم، في اللَّيل، وكأنَّ الجميع يعملون في السِّياقة، ممَّا يبرِّر للمرور بكلِّ خططه، وأنظمته، وعمله الذي لا يفتر، أن يعجز عن ملاحقة هذا النَّشاط منقطع النَّظير، ويدَّعون البطالة وهم في السِّياقة يتفوَّقون، ويبارون أمهر السَّبَّاقين فيها،
يتحدَّثون عن البطالة وفي المنازل جميعهم يأمرون وينهون فاللُّقمة تقدَّم لهم، وكأس الماء، تماماًَ كما تقدَّم لهم الثِّياب والأحذية، وهم مشغولون بإعمال الفكر في: ماذا سيأكلون، وأين سيتناولون وجباتهم في داخل المنازل أو خارجها بجوار حمامات السِّباحة، أو في مكان فسيح مع الصَّحب والأصدقاء، وخاصَّة الأقرباء.
يتحدَّثون عن البطالة في أساليب متناقضة، وكأنَّ كلَّ واحدٍ منهم وجد ضالته كي يمعن في جلْدها...،
والنَّاس تتعب في وجود متنفَّس لأبناء يحملون وثائق تخرُّجِهم، ويتقطَّر العرق من جباههم بحثاً عن منفذ بين هذا الاكتظاظ الهشِّ، والوظائف المليئة دون عطاء، والدَّرجات الوظيفية المحمَّلة دون تخطيط، وهناك من يغفو فوق مكتبه، أو يراجع الصُّحف خلف مقعده، أو يعقد صفقاته المختلفة عن هاتف مكتبه، أو ينهي سنته الوظيفيَّة دون إضافة تُذكر أو إبداع يُسجَّل، أو تطوير يُشهد له.
فمن ذا الذي سيأتي بالعصا السِّحريَّة، بحيث لا يبقى لواحد أمل في عمل دون أن يتوفَّر له، فهو مضخُّ حياته، ومصدر عيشه، كما لا يبقى عاطل متلبِّس بعمله دون محاكمته، وتقدير نوع عقوبته، وإزاحته كي يجد سواه ممَّن ينتجون مجالاً، ولا يسمح بعامل عمله ليس في الشَّارع أن يكون متسكِّعاً جارياً وراء مصالحه في ساعات واجبه داخل مؤسسته.
إنّ البطالة مردُّها لأمرين: من لم يجد عملاً فلا تخطيط له.
ومن هو في عمله فلا أمانة له...
وفي الحالتين أنت إمَّا مسؤول أو سائل. وهناك الَّذي لا تغيب عنه شاردة ولا واردة في شأنك كنت في بطالة عن غير عمل أو بطالة في العمل من غير أداء.
|