Sunday 23rd May,200411560العددالأحد 4 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الإدارة التربوية..؟ الإدارة التربوية..؟
نورة الغامدي*

لاشك أن العملية الإدارية في أي قطاع من قطاعات الدولة تحتاج إلى ضوابط تضمن لها الاستمرار نحو تحقيق أهدافها التي وُجدت من أجلها، فالإدارة التي تنهض على العلم والمنهجية، وكذا الناحية الإبداعية تحتاج إلى إجراءات من شأنها أن ترعى محوري الإدارة - العلم والفن - وتوفر مناخاً للعمل الإداري الناجح الذي يساعد على تفجير الطاقات الخلاقة لدى العاملين في القطاعات المختلفة، ولعل أبسط مظاهر ذلك المناخ هو إحساس الموظف بالأمان الوظيفي في عمله بأن تلك اللوائح المنظمة للعملية الإدارية إنما وُضعت لحمايته ولحفز طاقاته الإبداعية وشحذها من أجل الإبداع في العمل وليس لمجرد الأداء اليابس الذي يخلو من أي حماس أو إقبال على العمل، الأمر الذي يتطلب منا معاودة النظر في تلك اللوائح والمكانة التي صارت تحتلها في العملية الإدارية، ونقصد منها على وجه التحديد مسألة التحقيقات التي تجري مع العاملين خاصة في قطاع التعليم، إذ أصبحت تلك اللوائح تحتل في بعض الأحيان موقع الصدارة في العملية التعليمية وكأن إجراء التحقيقات وإيقاع العقوبات على أولئك الموظفين المجتهدين أصبح مُقدماً على دفعهم نحو الإبداع والتحديث والتطوير في بعض الأحيان.
ولعل أبرز ما يستوقفنا في هذا المقام هو مسألة سرعة الاستجابة للشكوى المقدمة من أي مُغرض وصاحب هوى ضد زميله أو رئيسه في العمل تلك العجلة في الاستجابة تُعد أمراً ذا حدين، أحدهما ينبىء عن قيمة إيجابية تتجلى في سرعة استجابة القيادة العليا لصاحب الشكوى الأمر الذي يبعث في النفوس ما يطمئنها إلى أن هناك من يستمع إلى شكواها.. أما الثاني، فيتمثّل في استغلال بعض أصحاب النفوس الضعيفة لتلك السرعة، وما يمكن أن يترتب عليه من غياب الحقائق أو حجبها في بعض الأحيان - الأمر الذي يؤدي إلى تشويه سمعة بريء وما يترتب على ذلك الأمر من أذى نفسي ومعنوي لمن قُدمت فيه الشكوى، نتيجة لسرعة الاستجابة للشكوى وإقامة إجراءات التحقيق دون تقصٍ للحقائق ومعرفة أبعاد المشكلة وأطرافها وملابساتها.. الخ، وبذلك تتحول تلك الفضيلة أو المزية إلى أداة للأذى والتعذيب تخلف آثاراً نفسية ومعنوية ببريء قد يصعب علاجها أو إزالة آثارها.. هذا على المستوى الفردي.. أما على المستوى الجماعي، فإن هناك محاذير لتلك التحقيقات السريعة من الواجب أن ننتبه إليها، حيث إن الوقت قد لا يكون مناسباً لإجراء مثل تلك التحقيقات التي تُحدث في الغالب نوعاً من الارتباك الذي قد يفضي بدوره إلى نوع من الفوضى في مجال العمل، وبخاصة في مواسم الاختبارات والقبول ونحوها حيث العمل في المؤسسة التربوية على أشده، وحيث يسعى الجميع لمواجهة تلك الفترة ذات الحساسية الخاصة لتحقيق حصاد طيب لعام كامل من التعب والمشقة.. فإذا برز من يفتقر إلى الإحساس بالمسؤولية والمصلحة العليا للعمل، ويؤثر في أن يفجر خلافات واسعة لإثارة القلاقل والاضطرابات في مجال العمل، إرضاء لأحقاد دفينة في نفسيته المريضة لكي تفسد على الجماعة، تلك الأجواء.. عندئذ تصير تلك الاستجابة السريعة لمثل تلك الأنواع من الشكاوى عنصراً فاعلاً على نحو سلبي في العملية التعليمية والإدارية على السواء وترضي أصحاب النوايا العلمية دعماً للإنسان خليفة الله في أرضه، وإفساحاً لمجال الإبداع والابتكار أمام الطاقات البشرية، لا أن نضع اللوائح ونتمسك بها وكأنها ألواح مقدسة، فإذا بحركة التنمية الإدارية والاجتماعية أمام عراقيل وعقبات تنكسر على صخورها إرادة العناصر البشرية الموهوبة الخلاقة وكأن تلك اللوائح قد وُضعت من أجل قتل روح التطوير والابتكار ووأد المواهب والعناصر المتميزة على كافة الأصعدة.
عفواً يا سادة، افسحوا المجال وافتحوا الأبواب لتلك الكوادر عالية المستوى والكفاءة لكي تمارس التجريب والتطبيق المرن للقواعد واللوائح وفقاً لما تقتضيه كل بيئة على حدة، إذ ان لكل مجتمع خصوصية تميّزه عن غيره من المجتمعات الأخرى داخل إطار الدولة بحدودها، وما يناسب مجتمعاً قد لا يتناسب مع غيره، ولذا فإن توفر الجرأة في اتخاذ القرار والقدرة على تحمُّل المسؤولية والتبعات للوصول إلى تصور أمثل للتطبيق هي أمور - لا شك - تفوق بكثير التمسك بمعرفة تطبيق لوائح وُضعت منذ عقود مضت، فإن ألزم ما تكون عليه اللائحة من حال عندما تطبق هنا والآن، الأمر الذي يعني أنها مرتبطة بظروف الزمان والمكان اللذين يتغيران ويحتاجان بطبيعة الحال إلى تطوير ملازم لحركة التغيير فيها ليتحقق بذلك مبدأ التكامل بين الجانبين: النظري والتطبيقي في عملية التنمية الشاملة في قطاعات المجتمع حتى نقضي على تلك الهوة الواسعة بين ما نقول وما نفعل، بين ما نرغب تطبيقاً وبين ما نرغب عنه وهو قائم بالفعل، بين آمال عريضة توشك أن تنحسر من العقول والنفوس، وبين واقع جامد يجرنا إلى هوة سحيقة ولا نعرف على وجه اليقين من المستفيد من وجوده مع كل ما تبين من جموده وتحجره.. لابد أن تمتد أيدينا جميعاً لنحطم صخرة البيروقراطية، ولا نُبقي منها شيئاً، إذا كنا نسعى حقاً إلى تنمية اجتماعية حقيقية لوطننا العزيز، ولمجتمعنا الحبيب ولأجيالنا القادمة، خاصة أننا نمتلك عناصر بشرية تملك من الكفاءات والملكات والقدرات المتميزة التي تجعلها قادرة على اتخاذ القرار الصحيح واحتواء الأزمات واجتياز العقبات، إنها كفاءات واعدة يُرجى منها الكثير ولديها الكثير الذي يُمكن أن تقدمه للوطن رجاءً ولطفاً، افسحوا الطريق أمام تلك المواهب والكفاءات من أجل تنمية إدارية حقيقية، من أجل نهضة حضارية راقية نصنعها بأيدينا، وتجني ثمارها أجيالنا القادمة.

(*) روائية سعودية - وكيلة كلية التربية للبنات في بيشة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved