يظن الكثير من الناس أن الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس قد قلت أو انقرضت، أو انه تم القضاء عليها قضاء تاما بعد ثورة الاكتشافات الطبية التي تطالعنا كل عام، وخاصة بعد اكتشاف أجيال جديدة من مضادات الجراثيم والفيروسات.
إن هذا الزعم ويا للأسف الشديد خاطئ، فلقد غدت الأمراض الجنسية بصورها المختلفة تشكل الهاجس الأكبر لدى العديد من المجتمعات، أفراداً وهيئات ومنظمات وحكومات لما لها من تأثيرات سلبية من الناحية الصحية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية أيضاً. ولا يخفى على أحد ان العديد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات تعقد ولا تزال في العديد من بقاع العالم شرقا وغربا للحد من انتشار هذه الأمراض والتي يأتي على رأسها مرض نقص المناعة المكتسب الايدز الذي أصبح وبحق طاعون العصر، وأصبحت اخطاره تفوق المخاطر التي حصلت في الحروب العالمية خلال القرن الماضي، ولا جدال في ان المصدر الرئيسي لهذه الأمراض هو الاتصالات الجنسية المشبوهة وما رافقها من المسكرات وادمان المخدرات. ولا ريب في ان الله عز وجل توعد لهؤلاء عقوبات آجلة يوم الدين.
إن هذه الأحكام معروفة ومشروحة بكل تفاصيلها الواضحة الجلية في القرآن الكريم، وكتب السنة النبوية الشريفة، واريد فقط ان استذكر معكم قوله عز وجل {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (32) سورة الإسراء. وقد قص علينا عز وجل اخبار قوم لوط وكيف انهم كانوا أول أمة في الأرض تمارس الشذوذ الجنسي، فكانت عاقبتهم ان جعل الله عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود.
وسأحاول ان اتطرق إلى المخاطر الصحية والأعراض التي تظهر لدى هؤلاء المرضى والبلاء الذي ابتلاهم ربهم به كعقوبة عاجلة في الدنيا، ومن ثم تنتظرهم عقوبة آجلة يوم لا ظل إلا ظله.
الحقيقة ان هناك عددا من الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس، وسأقوم بالتطرق إلى ثلاثة أمراض منها، وهي: (السفلس - السيلان - الإيدز)..
يعتبر (السفلس - أو الافرنجي - أو الزهري) طاعون الربع الأول من القرن المنصرم.
يسمى الزهري نسبة إلى آلهة الحب والجمال عند الاغريق (VENUS) حيث كانوا يمارسون الجنس عند أقدام هذه الأصنام، فغضبت عليهم الآلهة (وحق لها أن تغضب) وهم يعتبرون أن المرض من غضب الآلهة والعياذ بالله، ويسمونه في بلاد العرب (الافرنجي) أي انه آت من بلاد الفرنجة، وأسماه الفرنسيون: الداء الانجليزي، وهؤلاء سموه: الداء الفرنسي، والإسبانيون كذلك، وكأنه عار تتقاذفه الأمم فيما بينها {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} (38) سورة الأعراف.
يتسبب المرض عن طريق الانتقال المباشر لجرثومة (اللولبية الشاحبة) من الشخص المصاب إلى شخص آخر، وتعتبر الاتصالات الجنسية المشبوهة أهم اسباب انتقال هذا المرض، ويظهر الافرنجي على هيئة تقرح في المناطق التناسلية، وهو علامة السفلس الأولى، ثم يترافق بضخامة في الغدد اللمفية القريبة من مكان الإصابة، ثم الطفح الجلدي على الجلد والأغشية المخاطية ومع انتشار المرض تظهر آفات مخربة في الأحشاء مثل الاصابات العصبية حيث تؤدي إلى الشلل، واضطرابات الاحساس وتقرحات القدمين، وتليف في الكبد والرئة، والاصابات الوعائية القلبية كما يؤدي إلى وفيات الأجنة والتشوهات لدى الولدان حيث تظهر بشكل ضخامة الطحال، العمى، الصم، البكم، وتشوه قبة الحنك وتشوهات الأسنان، {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (160) سورة الأعراف.
أما الطاعون الذي بدأ في نهاية العصر الماضي ولا يزال يفتك بملايين الناس فهو (نقص المناعة المكتسب - (الإيدز) حيث يسجل حوالي 40.000 حالة جديدة سنويا في أمريكا وحدها فما بالك بعدد الحالات المسجلة وغير المسجلة في افريقيا وبلدان العالم الأخرى). إن المسبب لهذا المرض نوع من الفيروسات يصيب الجهاز المناعي لدى الشخص المصاب ويؤدي إلى نقص شديد من الخلايا اللمفاوية T حيث يفقد الإنسان مناعته وصحته فيصبح فريسة للجراثيم الخطيرة التي لا تعترف بقوة ولا منعة فتعيث فيه فسادا وتؤدي إلى هلاك الجسم، ويبدو على المريض تورم في الغدد اللمفاوية، التهابات عديدة وعنيدة على العلاجات، منها الجرثومية كالتهاب السحايا، أو الفطرية حيث تكثر الاصابات بالفطور، ويحدث نقص شديد في الوزن، اسهالات، وضخامة كبد وطحال، الطفح الجلدي، ارتفاع درجة الحرارة، تعرق في الليل، إصابة الرئتين بالطفيلي المتحوصل الذي يعتبر السبب الرئيسي للوفاة وقد يحدث نوع خاص من الأورام الجلدية الخبيثة يدعى (ورم، أو غرن كابوزي) {فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} (22) سورة إبراهيم.
أما (السيلان) فيعتبر من أكثر الأمراض الجنسية حدوثا ويسببه نوع خاص من الجراثيم وتظهر العدوى بين 3 - 9 أيام من الاتصال الجنسي حيث يشكو المصاب من صعوبة في التبول وإفرازات مؤلمة، وحرارة وصداع، وتقطع في البول.
والسؤال الآن: ما هي أسباب انتشار الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس؟.
يمكن تلخيص هذه الأسباب في النقاط التالية:
1- اللامبالاة الجنسية: وهي ظاهرة رافقت اكتشاف المضادات الحيوية، فأصبح الإنسان لا يهاب هذه الأمراض ولا يخشاها، كما انه بات لا يرتدع عن الاتصالات الجنسية المشبوهة دون أي خوف أو وجل مادامت المعالجة قد أصبحت سهلة ولا يجد أي مشقة أو عناء في تطبيقها، حتى ان البعض يضع في حقيبة سفره مجموعة من المضادات الحيوية يعتبرها من مستلزمات السفر حالها كحال الملابس مثلاً.
2- ضعف الوازع الديني والأخلاقي.
3- انتشار الأدوية المانعة للحمل وسهولة الحصول عليها.
4- التشرد الجنسي:
وهي ظاهرة نتجت عن انتشار السياحة، وسرعة المواصلات وسهولة الانتقال، فلا عجب إذا قيل ان شخصا ما قد أصيب بالايدز في نيويورك وكان مصدر إصابته في باريس، وان نفس هذا الشخص قد زرع المرض لدى شخص آخر ظهرت إصابته في سيدني مثلاً.
5- الحرية الجنسية:
وهي ظاهرة خطيرة رافقت متطلبات السياحة وانتشارها فأصبح من السهل على المسافر، أو السائح، أو طالب اللذة أن يجد في كل مكان من العالم مومسات، أو غانيات يتسترن بصفات وألقاب وأسماء مختلفة، كما كان لانتشار القنوات الفضائية الماجنة، وما يعرف بخطوط الصداقة (وأية صداقة هذه) دورا في زرع جذور الرذيلة وخراب المجتمعات.
ومع التقدم العلمي الباهر الذي شهده العلم في مجال الطب لا يزال العالم عاجزا عن ايجاد حل جذري لهذه المجموعة من الأمراض مادامت حقول الرذيلة وأساليبها وانواعها وأشكالها تترعرع وتنمو بأفضل، بل بأسوأ أنواع الأسمدة والمنشطات لتزرع الفساد في المجتمعات وتحصد أرواح الملايين من هذه المعمورة.
( * ) عيادات ديرما - الرياض |